بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5228)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازل والدي سنة 2008م عن قطعة أرض، مقام عليها بيت سكناه؛ لزوجته وبناته الأربع، واشترط في وثيقة التنازل الانتفاع بالمسكن حال حياته، وألَّا يكون للمتنازَل لهم حق الاستلام والتصرف في المنزل إلا بعد وفاته، ثم طلق زوجته سنة 2015م، وظل ساكنًا في هذا المنزل وحده، إلى أن انتقل للسكن مع أخي قبيل وفاته، سنة 2020م، ولم يستغل أحد من البنات المنزل قبل وفاته، فهل لزوجة أبي حقُّ في هذا المنزل؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ الهبةَ بشرطِ عدم التصرفِ جائزةٌ مع إلغاء الشرط، بناءً على أحدِ الأقوال في المسألة، التي ذكرها الحطاب رحمه الله -في الهبة المشروطة- أنّ الهبة صحيحةٌ والشرطَ باطلٌ، قال الحطاب رحمه الله: “وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَبِيعُ وَلاَ يَهَبُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ … وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ” [تحرير الكلام في مسائل الالتزام:402].
لكن من شرط تمام الهبة أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، وهبة الزوج دار سكناه لزوجته لا تصحُّ، ما دام ساكنًا معها في نفس الدار؛ لأنه لا تتأتّى لها حيازتها، حيث إن سكناها فيها تبع له، فلا تعد الهبة صحيحة؛ قال الدردير رحمه الله: “(وَ) صَحَّتْ (هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا، لاَ الْعَكْسُ) وَهْوَ هِبَةُ الزَّوْجِ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُلِ لاَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ” [الشرح الكبير:106/4].
وأما هبته دار سكناه لأبنائه، فيشترطُ لصحتها أن يخليها من متاعه، أو يسكنَ أقلها، فإنْ سكنَ جميعها أو أكثرها وكان الولد صغيرًا؛ بطلت الهبة، وإن سكن أكثرها وكان الولد كبيرًا؛ بطل الجزء الذي سكنه، وصح ما لم يسكنه، قال الدسوقي رحمه الله: “وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ جَمِيعَهَا بَطَلَ الْجَمِيعُ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ أَخْلَاهَا كُلَّهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ أَوْ سَكَنَ أَقَلَّهَا صَحَّ جَمِيعُهَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَطَلَ مَا سَكَنَهُ فَقَطْ إنْ كَانَ كَبِيرًا” [حاشية الدسوقي: 108/4].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فالتنازل للزوجة المطلقةِ باطلٌ؛ لعدمِ حيازتها، ولا ميراثَ لها، لتطليقها قبلَ موته، وكذلكَ الهبة في حقِّ البناتِ، إذا لم يحزن البيتَ بعد انتقال الواهب منه بالتصرف فيه بوجه من وجوه التصرفِ، ويرجعُ المنزل ملكًا للواهبِ، يقتسمه الورثةُ بينهم على الفريضةِ الشرعيةِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//ذو الحجة//1444هـ
10//07//2023م