طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

حكم التحبيس على النفس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5229)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

حبَّس الحاج ع م ما استقر على ملكه، وهو أربع حصص من تجزئة ست عشرة حصة من كامل حوش رقم 11، المذكورة أوصافه وحدوده في الوثيقة المرفقة، على نفسه مدة حياته، معتدًّا في ذلك بمذهب أبي حنيفة النعمان على قول الإمام أبي يوسف، ثم بعد وفاته على أخيه ح، وأخته خ، للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم بعد وفاة خ يرجع استحقاقها إلى أخيه الحاج ح المذكور، فإن لم يكن فلذريته، ثم إلى ذرية ذريته من الذكور فقط، فإن لم يكن ذلك فلأبناء عمه من ذريته الذكور، وهكذا إلى آخر العقب، فإذا انقطعت الذرية رجع وقفًا على الحرمين الشريفين أنصافًا بينهما كسائر أوقافهما، فكيف يقسم هذا الوقف، وهو جزء شائع من عقار، وهل هذا الحبس صحيح؟ وهل تجوز مناقلته؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالتحبيس على النفس باطلٌ عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال الخرشي رحمه الله: “… الْحُبْس عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَّرَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ” [شرح الخرشي على المختصر: 84/7]، ولكن لما نصَّ الواقف على تقليده لمذهب معتبر، لم يصح نقض الوقف، ويمضي على ما فيه، ويكون التحبيس صحيحًا نافذًا.

ولا تجوز مناقلته بغيره، ما دام بالإمكانِ الاستفادةُ منه فيما حبّس عليه الواقف، ما لم ينص على ذلك الواقف في وثيقة التحبيس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: (أَمْسِكْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ)، فقال عمر رضي الله عنه بعد ذلك: (لاَ يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ) [النسائي: 1432]، بل ذهب طائفة من الفقهاء منهم الإمام مالك رحمه الله إلى عدم جواز مناقلة الوقف، وإن صار خرابًا داثرًا، حيث نقل عنه ابن أبي زيد رحمه الله قوله: “‌لاَ يُبَاعُ ‌الحُبُسُ مِنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا؛ وَإِنْ خَرِبَتْ وصَارَتْ عَرْصَةً” [النوادر والزيادات: 83/12]، ونقل الشيخ خليل عن ابن شعبان رحمه الله قوله: “لَا ‌يُنَاقَلُ ‌بِالْوَقْفِ وَإِنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ، وَقَدْ تَعُودُ الْعِمَارَةُ بَعْدَ الْخَرَابِ” [التوضيح: 315/7]، قال ابن عبدوس رحمه الله: “وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم دَاثِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا” [شرح التلقين: 1395/2].

عليه؛ فإن الحبس المذكور صحيحٌ شرعًا، ولا تجوز مناقلته، ويمكن للمحبَّس عليهم -وهم الحاج ح وأخته خ- أن يقتسموا ريعه كما ذكر في الحبس للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ماتت الأخت فالريع يقسم بين ورثة الحاج ح الذكور دون الإناث بالسوية بينهم، ثم على ذريتهم الذكور دون الإناث، فإن انتهى عقبهم فيجب أن يصرف ريعه على الحرمين الشريفين أنصافا، وقسمة الريع تكون على النحو الآتي:

إن كان المحبس عليهم يمكنهم أن يستفيدوا منه جميعا بالسكنى فلهم ذلك، وإن تعذرت سكناه عليهم جميعا فيؤجر وتقسم غلتُهُ، أو يُقترع بينهم مَن يسكنُ فيه، ويدفع الكراء للباقي، قال اللخمي رحمه الله: “الْحُبُسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حُبُسٌ الْمُرَادُ مِنْهُ غَلَّاتُهُ كَالثِّمَارِ … فَمَا اجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ قُسِمَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حُبِّسَ لَهُ، وَالثَّانِي: الدِّيَار تُوقَفُ للسُّكْنَى … فَهَذِهِ يُنتَفَعُ بَأَعْيَانِهَا … فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُتَّسَعٌ لِجَمِيعِهِمْ وَكَانَ الْحُبُسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ … كَانَ لِجَمِيعِهِمْ … فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ مَحْمَلٌ لِجَمِيعِهِمْ اكْتُرِيَتْ وَقَسَمُوا غَلَّتَهَا أَوِ اقْتَرَعُوا عَلَى أَيِّهِمْ يَسْكُنُ وَيَدْفَعُ إِلَى الآخَرِ نَصِيبَهُ مِنَ الْكِرَاءِ”[التبصرة: 3439/7]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

22//ذو القعدة//1444هـ

10//07//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق