طلب فتوى
الحدود و الجناياتالحدود والتعازيرالفتاوى

حكم تهجير عائلة بجناية ابنهم

ترحيل أسرة بسبب جريمة ارتكبها أحد أفرادها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4280)

 

السادة المحترمون/ مَجْلِسُ حُكَمَاءِ وَأَعْيَانِ سُوق الْجُمُعَةِ.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تحية طيبة، وبعد:

فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم مطالبة أهل قتيل بترحيل القاتل وأخوته ووالده، بدعوى أنهم يتحملون مسؤوليةَ القاتلِ وتربيته، وتفاديًا لما قد يحدُثُ من أمور لا تُحمدُ عقباها، عندما يلتقون بمن تربطهم علاقة بقاتلِ أخيهم، وذكرتم أن والد القاتلِ كلَّفَ أحدَ أبنائه بجلبِ القاتلِ الفارِّ وتسليمهِ للشرطة، وأخبر أنه غير مسؤول عما ارتكبه ابنه، وأنه راضٍ بحكم القضاء، ويرفضُ هو وباقي أبنائِه الترحيلَ.

فالجواب كالتالي:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالأصل أن الواجب في جناية قتل العمد هو القصاص، وما دام الجاني قد سلّم إلى الجهات القضائية المختصة، ينبغي ترك الأمر إليها، وإذا ما ثبت لديها أن الجناية عمد عدوان فالواجب عليها أن تقيم حكم الله في القصاص من القاتل، وإذا طلب أولياء الدم من الجهات القضائية أن يتصالحوا مع القاتل على أن يرتحل عن بلد أولياء الدم نهائيًّا فلا يعود إليها، أو بأن يرتحل مدةً محددةً من الزمن يحددُونها له، فإنْ عاد قبلَها فمن حقّهم أن يقتصُّوا أو يطالبوا بالديةِ، إنْ كان بعد ثبوتِ الدم، أو يعاوِدُوا الخصومةَ إن كان قبلَ ثبوتِ الدم، ورضيَ أولياءُ الدم والجاني بذلك، فالشرطُ جائزٌ والصلحُ لازمٌ على القولِ المعتبر عند المالكيةِ، قال ابن سلمون رحمه الله: ” وَفِي كِتَابِ ابْنِ وَضَّاحٍ: قَالَ أَصْبَغُ -فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْداً فَيَجِبُ لَهُ دَمُهُ فَيُصَالِحُهُ وَلِيُّهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَيَشْتَرط عَلَيْهِ أَن يَخْرُجَ مِن حَاضِرَتِهِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا سِنِينَ مَعْلُومَةٍ أَوْ أَبَداً أَوْ لاَ يَدْخُل مَوْضِعَ كَذَا أَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ وَلْيَدْخُلْ وَلْيَخْرُجْ … وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ لاَزِمٌ، وَكَانَ سَحْنُون يُعْجِبُهُ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَيَرَاهُ حَسَناً، وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: سَأَلْتُ أَصْبَغَ عَنِ الْقَاتِلِ يُصَالِحُ عَلَى أَن يَرْحَلَ مِنْ بَلَدِ وُلاَةِ الْمَقْتُولِ وَلاَ يُسَاكِنهُمْ، فَقَالَ: هَذَا جَائِزٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِوَحْشِي قَاتِلِ حَمْزَة: (غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ لاَ أَرَاكَ)” [العقد المنظم للحكام: 702-703].

أما فيما يتعلق بباقي أسرته والديه أو غيرهم فلا علاقة لهم بالجناية، ولا يجوز لكم أن تعاقبوهم بجناية ابنهم لا بدفع مال، ولا بإخراج من المنطقة؛ لأن ذلك ظلم، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، إلا أن يثبتَ ببينة لا لبسَ فيها أن والدَ الجاني وإخوتَه شركاءُ له في الجناية، ويلزمهم معه فيها شيء، فحالهم -حينئذ- كحال الجاني، مِن جوازِ الصلحِ على الرحيلِ، أو أن ينفذَ فيهم حكمُ القضاء، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

عبد الدائم بن سليم الشوماني

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

24//ربيع الأول//1442هـ

10//11//2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق