حكم ما جاء في وثيقة تحبيس على الذكور دون الإناث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5075)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة تحبيس ما نصّه: “… المكرم م ع ك حال حياته وصحته وتمام عقله أشهد على نفسه أنه حبّس ووقف وأبّد رغبة منه في ثواب الله عزّ وَجَلّ جميع ما بيده من الدور والعقار الكائن ببلد الزاوية الغربية … وكذلك أرض الحراثة الكائنة بقطيس والجفارة … على ابنيه لصلبه وهما ح و م على ما يزاد له من الذكور بقية عمره إن قدر الله، ثم بنيهم الذكور خاصة ثم على بنيهم كذلك إلى آخر العقب، لا يشارك ابن أباه ما دام حياً… وهكذا ما تناسلوا وامتد فرعهم في الإسلام جيلاً بعد جيل … وإذا انقرض الذكور رجع لبنات صلبه إن كنّ أو بنات بنيه الذكور إلى العقب ويجري فيهن ما جرى في الذكور، وليس لأولادهن شيئاً فإذا انقرض رجع ذلك للعصبة … وإذا انقرضت العصبة رجع وقفاً على جامع الحاج محمد بن عصمان … ثم ذكر الحدود …”، ثم قال في آخر الوثيقة: “… وجعل لبناته س و ع و م و ل ستة نخلات بكراريات من السانية المذكورة … مع كامل زيتونه … مع كامل نخله الطابوني … مع شطر الدار الكائنة بالحوش الداخل في تحديد السانية … يسكنّ الدار المذكورة ويستغلن النخل والزيتون المذكور، ومن ماتت منهن رجع نصيبها لإخوتها وبآخرهن موتًا يرجع ذلك وقفاً …”، ثم ذكر التشديد في تغيير وتبديل الحبس، فما حكم هذا الحبس؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلافٍ بين أهل العلم، والصوابُ الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائزٍ شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾” [المدونة:423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي:88/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.
وعليه؛ فإنّ الجزء الأول من الحبس المذكور، الذي يخص جميع ما يملك المُحبِّس من دور وعقار وأرض، يعدُّ مِن الوقف على الذكور دون الإناث، وهذا النوعُ من الوقف باطلٌ من تاريخ صدور القانون سنة 1973م، الذي نصّ على بطلان الوقفِ إذا كان على الذكور دون الإناثِ، وقد جاء في قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م: “بطلان ما كان منه قبلَ صدور قانون الإلغاء، ولم يحكم حاكم بصحته، وتتم قسمة ما حكم ببطلانه على الجذر الموجود من الذكور والإناث، عند صدور قانون إلغاء التحبيس المذكور، عام 1973م، ومن مات منهم فلورثته ذكورًا وإناثًا”، أما التحبيس الثاني، الذي يخص ما استثناه المُحبِّس من نخلٍ ودارٍ وزيتون ٍعلى البنات، فهو من الحبس الجائز، وهو صحيحٌ نافذ، قال الصاوي رحمه الله: “وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْوَقْفُ بِاتِّفَاقٍ فِي الْعَكْسِ كَوَقْفِهِ عَلَى بَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ” [حاشية الصاوي:118/4].
وأما الحبسُ الخاص بالأبناء -الـمُفْتَى ببطلانه- فيقسمُ على الذكور والإناث، الموجودين وقت صدور القانون سنة 1973م، بحسب الفريضةِ الشرعيةِ، ويعد المحبِّسُ كأنّه ماتَ في ذلك الوقت، فَمن ماتَ أصله قبل سنة 1973م وكان هذا الأصلُ أنثى، فإنه لا يرثُ، ولا يدخل في القسمة، ومن استحقّ شيئًا بعد إجراء الفريضة على النحو المذكورِ، فله التصرفُ في نصيبه بالبيع والهبةِ ونحو ذلك، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16//جمادى الآخرة//1444هـ
09//01//2023م