بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4642)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
قَسَّم رجل حال حياته وصحته أرضهُ البالغ مساحتها ثلاثة هكتارات، المقام عليها خمسة مساكن وبئر ماء [وقراج] وبها أشجار، بين ابنهِ وبناته، فأعطى بناته الست 3000 م2، وما بقي من الأرض والمساكن والبئر [والقراج] للابن، وذلك سنة 2008م، وشرط عدم التصرف في هذه الأملاك إلا بعد وفاته، وهذه المقاسمة مصدقٌ عليها عند محرر عقود وبشهادة شاهدَين، كما هو مرفق بالسؤال، ثم توفي الابن قبل أبيه سنة 2010م، وتوفي الأب سنة 2014م، علمًا أن الابن علم بالمقاسمة واستلم نسخة منها، وأنه يسكن الأرض هو وأبناؤه مع أبيه من سنة 1996م، الابن والأب في مسكن واحد، وأربعة من أبناء الابن في باقي المساكن، وهم يتصرفون بكامل التصرفات طيلة هذه الفترة ويعتنون بالأب، فما حكم هذه المقاسمة؟ وكيف يتم قسمة ميراث الأب في ابنه المتوفى قبله؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالمقاسمة المذكورة من قبيل الهبة، وشرط تمام الهبة أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب وصحته، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ تَتِمُّ هِبَةٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِن مات قبل أن تحاز فهي ميراث” [الرسالة: 117]، وأما شرط عدم التصرف في الهبة حال حياة الواهب فباطل؛ لأن القصد منه عدم البيع أو القسمة حال حياته، كما يعلم من قرائن الأحوال وعادة الناس، بدليل تركه الابن يسكن ويستغل هو وأبناؤه، ولا يؤثر هذا الشرط في الهبة، على أحد الأقوال في مسألة شرط الواهب عدم البيع والهبة حال حياته، قال الحطاب رحمه الله: “وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَبِيعُ وَلاَ يَهَبُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ… وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ” [تحرير الكلام في مسائل الالتزام: 402].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، وتصرفَ الابنُ في نصيبه من الأرض والعقار، بإسكان أبنائه في البيوت أو غرس أو بناء ونحو ذلك، قبل مرض الواهب، أو موته، فالهبة صحتْ في حقهِ، والأرض ملكُه، وكذلك الحالُ بالنسبة للبناتِ، ومن لم يتصرفْ فيما وهبَ له حتى ماتَ الواهب، فالهبةُ باطلةٌ في حقهِ، ويرجع نصيبه ميراثًا لجميع ورثة الواهبِ الأحياء يوم وفاته، ويجب إعطاءُ البنات فرضهنّ في نصيبِ الأب من ابنه المتوفى قبله، وهو الثلثانِ مِن كاملِ السدسِ الذي يصحُّ للأب في جميع أملاكِ الابن، يقسم بين البناتِ بالسوية، والثلث الباقي لأبناءِ الابن؛ للذّكر مثل حظّ الأنثيين تعصيبًا، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11//صفر//1443هـ
19//09//2021م