طلاق بائن بينونة كبرى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4772)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

منذ سنوات تشاجرت مع زوجتي فطلقتها مرة واحدة، فأخبرتني أختي التي تدرس القانون أن الطلاق غير واقع؛ لأني لم أكن ناويًا إخراجها من عصمتي، فبقيت زوجتي معي، وفي المرة الثانية تشاجرت معها، وطلقتها مع تكراري للفظ الطلاق مرات عديدة، ولم تكن لدي نية بهذا التكرار، فذهبتْ إلى بيت أهلها وبقيت حوالي 20 يوما، ثم استفتيت شيخًا، فأخبرني أن أردها بقولي رددتك إلى عصمتي، وفي المرة الثالثة طلقتها مع تكرار لفظ الطلاق -أيضًا- وكلفت ابن عمتي أن يجد لي فتوى بإرجاعها، فأرجعتها، وفي المرة الرابعة تشاجرنا وطلقتها، مع تكراري للفظ الطلاق كذلك، فما الذي يلزمني من الطلاق؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الطلاق يقع باللفظ الصريح، ولو لم يقصد به الزوج حلّ العصمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثٌ ‌جِدُّهُنَّ ‌جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ) [الترمذي: 1184، حسن]، وقال الدردير رحمه الله: “(وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ) الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ -وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا-مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ (الطَّلَاقُ) كَمَا لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي… (وَطَلَّقْتُ)… (وَطَالِقٌ)… (وَمُطَلَّقَةٌ)”[الشرح الصغير: 2/559]. وعليه فالطلقة الأولى واقعة، وما أُخبر به الزوج من جهة أخته غير صحيح، والزوج لم يقم بترجيع زوجته بعد هذا الطلاق.

وإذا باشر المطلِّق زوجته في العدّة دون نيّة لإرجاعها، لم يعدّ فعله رجعة، قال الخرشي رحمه الله: “يَعْنِي أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ مُجَرَّدٍ عَنْ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ بِأَقْوَى الْأَفْعَالِ كَوَطْءٍ، وَأَحْرَى قُبْلَةٌ وَلَمْسٌ” [الخرشي: 4/81].

وقول الزوج إنه طلقها مرة ثانية بتكرار لفظ الطلاق مرات عديدة نسقا متصلا -ولم ينو بالتكرار شيئا- يلزمه به من الطلاق بعدد ما كـرّر من المرات العديدة، وبذلك يكون الزوج قد استنفد جميع الطلقات في عصمة النكاح، وبانت منه زوجته بينونة كبرى، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، وما أوقعه الزوج بعد ذلك من الطلاق المكرر كله لا محل له، لأن الزوجة ليست في عصمته، فلم يصادف محلا، وعليه فيجب أن يحال بينه وبين زوجته، ولا يحل له الرجوع إليها إلا بعد زوج آخر، قال تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ ‌زَوْجًا ‌غَيْرَهُ) [البقرة: 230]، ومعاشرة الزوج لها –في هذه المدة- معاشرةٌ محرمة؛ لأنّها واقعة على امرأة ليست زوجة له، لكن يُلحق به ما حصل له من الولد خلال هذه المدّة للشبهة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عصام علي الخمري

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20//جمادى الآخرة//1443هـ

23//01//2022م