في الذّكرَى السابعةِ لثورةِ التكبيرِ
في الذّكرَى السابعةِ لثورةِ التكبيرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(في الذّكرَى السابعةِ لثورةِ التكبيرِ)
أُحيّي الشعبَ الليبيّ الكريمَ، وأهنّئُه بهذه المناسبةِ العظيمةِ، وأترحمُ على القتلَى، وأسأل اللهَ أن يتقبلَ مَن ماتَ نُصرةً للحقِّ دفاعًا عنه في الشهداءِ الأبرارِ، وأنْ يُخلفَ أهليهم فيهم خيرًا، ويشفيَ الجرحَى، ويعوضهم عن آلامِهم وما فقدُوهُ مِن أطرافِهم الأجرَ والمثوبة.
أتمنّى ألَّا تمرَّ هذه الذكرى مرورَ الكرامِ، فإنّ الغرضَ مِن إحياءِ الذكرياتِ هو الاعتبار، والتذكير بالآلام والآمالِ لإصلاحِ المستقبلِ.
لذا فإني أجددُ الدعوةَ لكل الأطراف السياسية في بلادي، ولكافة المواطنينَ بالآتي:
1- التوافق على حلٍّ وطنيّ عادلٍ، والاعتصام في ذلك بحبلِ الله المتينِ؛ لأنّ الله أمرنا بذلك فقالَ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وحبلُ اللهِ هو دينُه وكتابُه.
2- ترك العصبياتِ القبليةِ والجهوية والحزبيةِ، فإنه مما زاد الفرقةَ، وأفسدَ ذاتَ البينِ، وعمقَ الكراهيةَ والشحناءَ هي العصبياتُ البغيضة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلمه – وفي لفظ: وَلَا يَخْذُلُهُ – وَلَا يَحْقِرُهُ) “، ومعنى لا يسلمه: لا يخذله ويتركُ نُصرتَه، كما هو الحالُ اليوم مع أهل الجنوب المحتل من المرتزقة، وأهل درنةَ المحاصرة، المهددةِ بالغزوِ الخارجيّ، الذي يستعديهِ عليهم جيرانُهم، المأمورونَ في عرف القبيلة وحرمة الدين بنصرتِهم وأن يؤمنوهم بوائقَ عدوهم، ومعنى لا يحقره: لا يستصغرهُ ويستضعفُه ويستقوِي عليهِ، فإنّ مَن فعلَ ذلكَ وخذل جاره سلّطَ الله عليه مَن هو أقوى منه، وخذلَه في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتَه، والجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
3- للوصول إلى التوافقِ – في ظلّ الجدلِ المعوِّق حولَ إقرارِ الدستورِ للاستفتاءِ عليه، والتعطيل المتعمد في إصدارِ قانونِ الانتخاباتِ – في ظلِّ هذا الغموض حول مستقبل الانتخابات، أُكرر الدعوةَ بقوة إلى الأخذِ بالمبادرةِ الوطنيةِ للحلِّ السياسيّ، التي اختارتْها لجنةُ إدارةِ الحوارِ الليبيِّ الليبيّ، وتقضِي بأنْ تخرجَ جميعُ الأطرافِ المتنازعةِ من المشهدِ، ويتولّى حكمَ البلادِ جسمٌ تشريعيٌّ جديدٌ، يتكونُ أعضاؤُه مِن المتحصّلينَ على أكثرِ المرشحين أصواتًا، في الانتخاباتِ الماضيةِ، لكلٍّ مِن المؤتمرِ الوطني العام ومجلسِ النوابِ، مناصفَةً بينهما، إنهاءً للانقسامِ، وحَقْنًا للدماء، ولِمَا في هذا المقترحِ مِن الحياديّةِ الكاملةِ، وتساوِي الفُرص بينَ أطرافِ النزاعِ، وأقولُ للمتصدرينَ المشهدَ: لابُدَّ مِن التنازلاتِ، إنْ كانُوا حقًّا يعملونَ لإنقاذِ بلادِهم، ومصلحةِ أجيالِهم، والمجتمع الدولي لن يتردد في قبول ما اتفقتم عليه لو تنازلتم واتفقتم.
4- مصلحةُ الوطن تقتضِي الحذرَ مِن الرّكونِ إلَى الهيمنةِ الأجنبيةِ، والتدخّلِ الخارجيّ، الذي انزلقَتْ إليهِ البلدُ، ونَرى آثارَه في إضافةِ أزماتٍ جديدةٍ، يومًا بعد يومٍ، ومنها جهودهم في غزو ليبيا بالهجرة غير الشرعية، وإقامة القواعد الأجتبية كما تفعل الإمارات وغيرها ، وسيبقى وقوفهم ضد حكم المحكمة العليا الذي كان يمكن أن ينهي الانقسام وصمة عار تلطخهم لا تمحى، وهم من يقول إنهم ما أتوا إلا لإقامة القانون، ولذلك حذرنا الله من الركون إليهم، فقال: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)، وقال : (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ).
5- أعظم ما حققتهُ الثورةُ، هو الخَلاصُ مِن حكمٍ قمعيٍّ مستبدٍّ غشوم، كانَ لا يُخفِي عداءَه للهِ ولرسولهِ والدِّين، يُنكرُ السنَّةَ ويكذّبُ القرآن، ويضَعُ المصحفَ تحتَ قدميهِ، ويستهزِئُ جَهرةً بالنبي صلى الله عليه وسلم وسلفِ الأمّة، وينكرُ ما هو معلومٌ من الدّينِ بالضرورةِ، ويقولُ: محمد في النارِ، والحجابُ الذي أمرَ اللهُ به مِن الشيطانِ، إلى غيرِ ذلكَ مِن الردِّ على الله في حكمِهِ، والافتراءِ عليه.
6- بعدَ الخلاصِ مِن هذا الظلم والعداءِ لله ولرسولهِ ودينه، لا تلتفتُوا إلى قولِ الجاهلينَ الغافلينَ، ضعافِ الإيمانِ، خائرِي النفوسِ، الحائرينَ التائهينَ، الذينَ يغضبونَ لدنياهُم ولا يغضبونَ لربهمْ، القائلينَ: “نكبة فبراير”، “واقهاير فبراير”، ونحو ذلك، فلم يكن الواحد منهم على ماكان عليه من قهر وذل، وعلى عظيم ما أصابه في دينه وفي رزقه وكرامته، يجرأ أن يقول: “سبتمبر اقهاير”، لا تلتفتوا إليهم ، فمَثلُ هؤلاء مَثلُ مَن يعبدُ الله على حرفٍ، إنْ أصابهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ، وإن أصابتهُ فتنةٌ انقلبَ على وجههِ.
ومثل مَن قال اللهُ فيهم: (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ).
7- ليبيا في موضعِ اختبارٍ، يستوجبُ منّا شكرَ اللهِ، والرجوعَ إليه، والاستقامةَ على أمرِه، كما قال الله تعالى لقوم موسى بعدَ أنْ أهلكَ فرعونَ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
و الشكرُ لا يكونُ بالكلامِ ورفعِ الشعاراتِ، الشكرُ يكونُ بالعملِ؛ العمل على قيامِ الدولةِ وبناءِ المؤسساتِ، ورأس العمل احترامِ القانونِ، وتطبيقه على النفسِ قبلَ الغيرِ، ولا يكونُ العمل بالتباهي بالثورةِ والكلامِ حولها، ثم الالتفاف عليها، والانتقاء في تطبيق القانونِ، حسبَ الأهواءِ والمصالحِ الخاصةِ، العمل بتشمير السواعدِ والتطبيقُ هو المعيارُ، فإنّ اللهَ تعالى قالَ لآلِ داود حينَ أمرَهم بالشكر: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) أمرَهم بالعملِ؛ ليُؤدُّوا الشكر، فقال: اعمَلُوا، ولم يقلْ: قولُوا.
8- أقول لمن فَضَّلوا أن يسموا أنفسهم أعضاء برلمان برقة وليس أعضاء برلمان ليبيا، إنه ليحزننا أن تنتهك سيادة برقة وتكون محتلة، ويدنس ترابُها بقواعد أجنبية من عساكر الإمارات أو عساكر غيرها، كما يحزننا أن يكون في أعضاء البرلمان من يطالب دولة أجنبية بغزو بلاده، ويستعديهم على مدينة درنة الآمنة، ولا ذنب لها إلا أنها قهرت الدواعش، وفي المثل: “تجوع الحرة ولا تأكل بثديَيْها”.
9- الاحتفالاتُ التي أقيمتْ بميدانِ الشهداءِ بالعاصمةِ، نشكُو إلى اللهِ القائِمينَ عليها، فقد أفرغُوهَا مِن محتواها، وانحرَفُوا بها عن مسارِها بالترفيهِ المشروعِ المباحِ، وبالتذكيرِ بالشهداءِ وبأمجادِ الأمة، إلى غيرِ المشروعِ؛ مِن الصّخَبِ والمجونِ، شَغلوا المنصّةَ بالكاسياتِ العارياتِ، المائِلاتِ المُميلاتِ، اللاتي قال عنهن النبي صلى الله عليه وسام: “لا يدْخلنَ الجنّةَ، ولا يَجِدْنَ ريحَهَا”، كما صحّ عنه.
ومَن رتَّبَ هذا المجون وأعدّهُ، وشاركَ فيهِ وأعانَ عليهِ، أو دفعَ المال فيه، فقد بَاءَ بإثمهِ، وحملَ وزرَه، قالَ الله تعالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
10- وأخيرًا؛ إنّ الشهداءَ الذينَ رحلُوا، وقدّموا أرواحَهم من أجلِ الخلاصِ مِن حكمٍ مُعادٍ للهِ، جائرٍ على شعبهِ، قد وضعُوا في أعناقِنا أمانةً ثقيلةً، سيُسألُ عنها كلُّ مَن خانَها مِن رفاقِهم وضَيّعَها.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
6 جمادى الآخرة 1439 هـ
الموافق 22 فبراير 2018