لا للعصبية، ولا للتعزُّز بالقبلية .

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

  ذكر الله تعالى القبلية في القرآن، فقال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13)، فقصَر وظيفتها في قوله تعالى: (لتعارفوا)، أي: لتتواصلوا.

     فهي وسيلة للتواصل والتعارف، للتعاون على البر والتقوى، ونَفى أن يُعطيَ اسم القبيلة أو الجهة لصاحبه أيَّ شرف أو تميُّز يُقدّم به على غيره، بسبب انتمائه إلى قبيلته، بل الشرف والتميز والتقديم إنما هو بالتقوى.

والتقوى معناها أن يَجمع المسلم مع الخوف من الله، العلمَ النافع والعملَ الصالح، فقال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ)، وعندما سُئل عن معادن العرب وقبائلهم، قال: (خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، إِذَا فَقُهُوا) (صحيح البخاري:3353)، أي: إذا تخلصوا من عصبيات الجاهلية وأحلافها الباطلة، وفقهوا الدين، فاستبدلوا ولاياتهم لآبائهم وأحْسابهم وتفاخرهم بها، وتعززهم بالقبلية، بعزة الإسلام وانتماء الإيمان.

 

وأولُ مَن فعل ذلك، وتخلص من عصبية الآباء والقبلية، وجعل التولي والنصرة للإسلام، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ليكون قدوة وأسوة لنا، فقال عليه الصلاة والسلام: (أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي، يَعْنِي فُلَانًا، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)(صحيح مسلم:366)، فجعل المسلم الصالح، ليس فقط مقدَّما على القبيلة والعصبية البعيدة، بل على الآباء والقرابة القريبة.

    وقد خطب النبي – عليه الصلاة والسلام – الناسَ يوم الفتح، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ؛ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ) (سنن الترمذي:3270)، ومعناه؛ أنه ليس هناك في باب المناصرة والتحالف إلا اثنان، لا ثالث لهما، مؤمنٌ تقيّ، يدعو إلى الخير وجمع الكلمة، ووحدة الصف وإقامة الحق، وأمن البلد، يجبُ عليك أن تَبّره وتؤيده، وتحب له ما تحب لنفسك، وأن تكون معه في السراء والضراء، لا تُسلمه ولا تخذله، والثاني فاجر شقيّ، يدعو إلى الفرقة ويكيد للأمة، ويغضب للعصبية، وينادي بالقبلية وإحياء تحالفات الجاهلية، وهذا إجابة دعوته وإحياء حلفه ونصرته إثمٌ ومعصية، مصحوب بميتة السوء؛ ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) (صحيح مسلم:53)، ومعنى: تحت راية عمية؛ أي: يتنادى ليتناصر بالعصبية والانتماءات الجهوية والتحالفات القبلية، لا لمناصرة الحق وإقامة الدين وأخوة الإسلام، كما هو الحال.

     والتناصر للعصبية هو كما يتنادى بعض الثوار في أيامنا، يَدْعون ثوارا من جهاتهم وقبائلهم وكتائبهم العسكرية؛ انتصارا لمن قُتل أو اعتقل منهم؛ طلبا للنصرة والثأر، يستنفرون أبناء جهتهم وقبيلتهم، للتقوِّي بهم على مجموعة أخرى، تنتمي إلى جهة أو قبيلة أخرى، طلبا للثأر؛ لأن بعض الأفراد المنتسبين إلى هذه الجهة أو تلك، ممن يسيئون في الحقيقة إلى الثوار، سلك سلوكا شَينا – وقد يكون مخمورا ـ تعدّى لتخليص ظالم من السجن بقوة السلاح، أو يتعدى على بوابات أو حرمات، فإذا ما قُتل تنادى الناس على جهاتهم بالنفير.

     هذا بعينه ما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام؛ (عِنْدَمَا كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأنصاري: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (صحيح البخاري:4905).

     وقد أتم الله علينا بالإسلام النعمةَ، وجعل لنا به العزة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، فرفع به الخسيسةَ، وأكمل به الناقصة، وأذهب به اللومة، فلا لوم بعد الإسلام، وإنما اللومُ لومُ الجاهلية، فلسنا بحاجة إلى حلف غير الإسلام؛ قبيلة أو غيرها، نتناصر به من ميراث الجاهلية، ينذرُ أصحابَه والداعينَ إليه بميتة السوءِ.

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الأربعاء 27 ذو القعدة 1434 هـ

الموافق 2 أكتوبر 2013