طلب فتوى
مقالاتمقالات المفتي

ليبيا إلى أين؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سرد وقائع للتاريخ!!

أحداثٌ عِظامٌ، لم تعد تُحرك أحدا!

لا يمر يومٌ إلا وينسيك الذي قبله!

     جمعةُ طرابلس الدامية، وليلة بنغازي الحزينة المُرَوِّعة، وما قبل ذلك، وما بعده، وما ترتب ويترتب عليه من تداعيات ومخاطر بالوطن محدقة، وفي كل اتجاه!

     ما نراه كلّ يوم في بنغازي ودرنة، وغيرها من المدن الليبية؛ من تفجيرات وخطف واغتيالات لا تتوقف، والكلُّ عاجز أن يصنعَ شيئا، أو أن يُدين الخارجين عن القانون بشكل واضح فعال!

أزمةُ النفط، التي لم تعد تَقُض المضاجع! حتى رشاويها المعلنةُ المُوَثَّقةُ توقفَ التحقيقُ فيها! واكتُفي بالاحتفاظِ باحتجاز بعضِ الموظفين من ديوان رئاسة الحكومة!

هل سيكون هؤلاء الموظفون كبش الفداء لبعض الوقت، وتنتهي القصة ؟!

     فضيحة الرشاوي لم يكتمل التحقيقُ فيها – كما نرى – لعجزِ المؤتمر عن رفعِ الحصانةِ عن العضو المطلوب مِن قِبل النائب العام للتحقيق، والسببُ:

استماتةُ وزير العدلِ في الدفاع عنهُ، فليس من القانون ولا من العدل – كما يرى وزير العدل – أن يَمثُل العضوُ أمامَ النيابة ويكتمل التحقيق؟!

أين دولة القانون، يا من تنادُون بسيادةِ القانون ؟!

ذات يومٍ كادَ المؤتمرُ أن يُصوِّت على رفعِ الحصانةِ؛ استجابةً لطلبِ النائب العام، ويمثُل المتهمُ للتحقيقِ .

     في ذلك اليوم غضبت الكتلةُ الكبيرةُ في المؤتمرِ غضبةً مُضريةً، وخرجوا جميعًا على بَكرةِ أبيهم من القاعة، وقالوا: إنهم يقاطِعون الجلسات!

     لن نرجعَ حتى تُلبى لنَا عشرةٌ من المطالب، تكونُ لها الأولويَّةُ، لا يسبقُها شيءٌ، وقبلَها لن نعودَ، ولن نقبَلَ من المؤتمرِ صَرفًا ولا عدلًا !!

يا ترى، ما هذه الشروط التي لن يعودوا بدونها إلى المؤتمر في هذا الوقت الحرج، الذي تمرُّ به البلد؟

– هل منها شرطٌ باتخاذ قرار لاستردادِ النفطِ المسلوب، الذي بلغت خسائره إلى حدّ الآن أزيد مِن عشرةِ ملياراتِ دينار؛ حتى يتمّ إنقاذ خزينة الدولة، المهددة بعجزِ دفع المرتبات ؟!

– هل من هذه الشروط العزمُ على محاسبةِ مؤسسات الدولة، على الفساد المالي والإداري المستفحل في الداخلِ وفي الخارج، والذي وضعَ ليبيا في المرتبةِ ما قبلَ الأخيرة، في آخرِ تقرير لِلمنظمة العالمية للشفافية ؟!

– هل منها المساءلةُ عن التعطيل – ولا أقول التأخير – في تفعيلِ قانون العزلِ السياسي، الذي أُقبِر وماتَ، وصارَ حبرًا على ورق، حتى نسيه الناس، وتمكن من كانوا في فعاليات السابع من أبريل واللجان الثورية من أعلى المناصب في السلطتين القضائية والتنفيذية ؟!

– هل مِن هذه الشروط العشر محاسبةُ المسؤولِ عن تدهوُرِ الأمنِ في بنغازي ودرنة، وغيرها من مدن الجنوب، بهذه الصورة المروعة؟!

– هل منها شرط المحاسبة على التقصير في حفظ المنافذِ والحدودِ، في شرقِ البلاد وغربها، وفي الصحاري الشاسعة، التي تتدفّقُ منها الخمورُ والمخدراتُ، وجيوشُ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ، الخارجةِ عن السيطرةِ، حتى صارت في بعضِ مدن الجنوبِ، تتربع في مكاتب الحكومة الرسميةِ، وتديرُأعمالها ؟!!

هجرةٌ خارجةٌ عن السيطرةِ بكل معنى الكلمة، وتنذرُ بعواقبَ أمنيةٍ وأخلاقيةٍ وصحيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ وخيمة، ومدمرةٍ !

     هل من هذه الشروط العشرة، لِرجوع أعضاءِ المؤتمر الغاضبين، شيءٌ ممّا أهمَّ الوطنَ، وأقضَّ مضجعَه، وأذهبَ ثروتهُ، ونهبَ أمواله، مِن مثلِ ما ذُكرَ، أو غيرِه ؟!

     لا ، أبدًا! لم أسمعْ بشيءٍ من هذا، إنها شروطٌ أقرب ما تكونُ إلى أمورٍ شخصيةٍ، وإن أُلبِست أبعادًا قانونية، معظمُها يدورُ حولَ ديوان الرئاسة، والنائب الأول، ومحاسبةِ رئيسِ المؤتمر، وتجريدِه مِن صلاحياتٍ تولّاها بمُقتضَى الرئاسة، والتي ما رأَينا فيهَا إلا حرصًا على الوطن، ومحاولةً جادةً حازمةً لحفظِ الأمنِ، وعِبئا يُثقلُ الكاهلَ، لا رغبة أو إيثارًا للراحةِ والتساهل!

     الكل يعلم أن رئيس المؤتمر تَحَمّلَ طولَ الشهورِ الماضيةِ المشاقَّ؛ فرابطَ، ولم يخرج مِن البلاد، ولم تُغْرِه سفرياتٌ ولا ضيافاتٌ ولا علاواتٌ، كانَ الرجلُ يحملُ همَّ أمتِهِ في صمتٍ …

وكانَ حريًّا أنْ يُشادَ بِه ويُشكَرَ، ويُكافَأَ على حرصِهِ ويقدَّرَ!

لا أنْ يُجازَى جزاءَ (سنِمّار)!

هوَ الذي تحوَّلَ إلى التحقيقِ (طبعا دون رفعِ حصانةٍ) وإن لم يطلبه النائبُ العام للتحقيق!

     اتخذَ رئيس المؤتمر بعضَ القراراتِ الجريئةِ لإصلاحِ المؤسسةِ العسكرية، وكان منها طلبُ وقفِ مرتباتِ المتخلفينَ عن أعمالهمْ في القواتِ المسلحةِ، فقالوا له، حين مسَّ المرتبات: “مَن خوَّلك سلطةَ القائدِ الأعلى للقواتِ”؟

     حينَ كان الأعضاءُ ينعَمون بإجازةِ العيد، وطرابلس معرضة للتهديدِ، أصدرَ المؤتمرُ، الذي كان أكثرُ أعضائه غائبين، قرارا في وقتٍ حرج بإسنادِ حفظِ أمنِ طرابلسَ، إلى غرفةِ الثوار، فحَمَّلَ الغاضبونَ الرئيسَ مسؤوليةَ القرار وتبعاته، وتبعات غيره، التي اضطره إليها غيابُ مَن يتحملُ القرارَ؛ فحاسبَوهُ!

لم ينته بعدُ عرضُ الشروطِ العشرةِ في جدول الأعمالِ، وما أن تنتهيَ – بإذن الله – حتى يرجعَ المؤتمرُ إلى سالف الأعمالِ، أو يكون قد أكملَ أيامَه، ودار عليه الزمان!

هذا ما كانَ مِن إحدى الكتل في المؤتمر، المُتضامنة المترابطَة، أمّا باقي الكتل، فهي متفرقة، كثيرٌ مِن أعضائها لا يكترثُ حين يجيءُ وقتُ القرار، حضرَ أم غابَ!!

بالله عليكم يا سادة، ليبيا إلى أين ؟!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الأربعاء 22 محرم 1435 هـ

27 نوفمبر 2013 م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق