بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3884)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلقني زوجي، فبقيت في منزل والدي أحدَ عشرَ شهرًا، لم ينفق عليّ فيها شيئًا، وهو ميسور الحال، وقد امتنع أهل زوجي عن إعطائي ما يخصني من حلي وجواهر، أهداها لي زوجي أثناء فترة الخطوبة، كنت قد احتَفظتُ بها عند والدة زوجي، فهل لي الحق في هذه الحلي والجواهر؟ وهل لي الحق في النفقة بعد الطلاق؟ وكيف يحتسب مؤخر الصداق وهو ثلاثون ليرة ذهبية؟ وهل من حق الزوجة الاحتفاظ بغرفة النوم بعد الطلاق؟ وهل تستحق الزوجة تعويضًا عن الضرر النفسي والمعنوي الذي لحق بها من الطلاق؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، فالهدايا المذكورة هي للزوجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَةٍ، قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ؛ فَهْوَ لَهَا) [أبوداود:2129]، وبعد الدخول بالمرأة لا يختلف الأمر، سواء قلنا إنها هدايا أو حكمها كالمهر، فالهدايا لا رجوع فيها بعد الدخول؛ لأن الزوج حصل له مقصودُه بالدخول، ولا يجوز له الرجوع فيها، قال النبي r: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَاْلَكلْبِ، يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ ِفي قَيْئِهِ) [البخاري:2589]، وعلى أنها من المهر فلا يُحتسب مُقَدَّمُ المهر من مؤخره، ولا يجوز للزوج أو أهله أن يمنعوا الزوجة من الانتفاع بحقها في ما أُعطيَ لها، ويعدُّ ذلك تعدِّيًا نهى الله عز وجل عنه بقوله: ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [النساء:20]، وأما النفقة بعد الطلاق، فإنها تجب على الزوج للمعتدّة من طلاق رجعي، حتى تخرج من عدتها، قال ابن جزي رحمه الله: “المطلقة إِن كَانَت رَجْعِيَّة فلهَا النَّفَقَة فِي الْعدة، وَإِن كَانَت بَائِنَة فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَة إِلَّا إِن كَانَت حَامِلا”[القوانين الفقهية:147]، وتكون النفقة والسكنى بحسب العرف، على قدر وسع الزوج واستطاعته؛ لقوله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق:7]، وأما مؤخر الصداق؛ فيجب على الزوج دفع الليرات المتفق عليها في العقد إن أمكن، أو دفعُ قيمتها بالسعر الذي يتفقان عليه سواء بسعر السوق أو أقل أو أكثر، بشرط دفع المبلغ المتفق عليه في مجلس الاتفاق؛ لئلا يؤدي للربا، وأما حكم الاحتفاظ بغرفة النوم، فإن كانت مسماة في العقد من مهر المرأة، أو دل العرف على ذلك، أو وهبها الزوج لها، فلها الاحتفاظ بها حينئذ، أما إن لم ينص في العقد، ولم يدل عرف، ولم يهبها الزوج لها، فلها امتلاك ما تختص به النساء من متاع غرفة النوم، وأما ما يختص به الرجال، أو كان مشتركًا بينهما، فليس لها الاحتفاظ به، وأما حكم التعويض عن الضرر المعنوي، فليس للمرأة حق واجب غير النفقة ومؤخر الصداق، ولها المتعة بالمعروف استحبابًا؛ لقول الله عز وجل: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين﴾ [البقرة:239]، ولا تحديد لمقدارها، فقد قال ابنُ عبد البر رحمه الله: “وَهْيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَلاَ مَحْدُودَةٍ، لاَ مَعْلُومٌ مَبْلَغُهَا، وَلاَ مَعْرُوفٌ قَدْرُهَا مَعْرِفَةَ وُجُوبٍ، بَلْ هِيَ عَلَى الْمُوسِعِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ أَيْضًا بِقَدْرِهِ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ” [الاستذكار:17/276].
وعليه؛ فيندب للزوج دفع مبلغ من المال للزوجة، تعويضًا لها عن ألمِ الفراقِ، وتطييبًا لخاطرِها، بقدرِ استطاعتهِ اجتهادًا، أو حسبَ ما يحددُه القاضي، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/شعبان/1440هـ
29/04/2019م