طلب فتوى
البيعالغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

ما حكمُ بيع وشراء الأموال التي صادرها الإيطاليون إبانَ الاحتلال؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4596)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكمُ بيع وشراء الأموال التي صادرها الإيطاليون من رموزِ الجهادِ والمناهضينَ لحكومتهم، إبانَ الاحتلال الإيطالي لليبيا؟ وهل ثمة فرقٌ بين ما سلمه المشتري لأصحابه بعد زوال الاحتلال، وبين مَن أبقى هذه الأموال تحت يديه إلى الآن؟ وهل للمشتري المطالبة بما دفعه، إذا كانت نيته ابتداءً إنقاذ المال؟ وما الحكم إذا كان الشراء بنية التملك؟ وكيف يتم تقدير القيمة التي دفعت بالعملة الإيطالية أو السائدة حينها، إذا طالب برد ما دفعه الآن؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإنّ ما فعلهُ الاستعمارُ الإيطالي من احتلالٍ وغصبٍ للأراضي من أصحابها، هو مِن العدوان والاستيلاء على أموال المسلمين بالقهر والغلبة، ومِن تسلطِ الكفار وظهورهم على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول: (‌وَلَنْ ‌يَّجۡعَلَ ‌ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141]، والأملاك التي اشتريت من المحتل لا تخلو من أحوال ثلاثة:

  • أن يجدها ربها عند المشتري من المحتل وقد اشتراها بنية التملك، فلربها أخذها من المشتري مجانا بلا ثمن، لأن شراء المشتري من الغاصب باطل.
  • أن يجدها ربها عند المشتري من المحتل وقد اشتراها بنية الفداء لربها، فلربها أخذها مجانا ممن افتداها إذا كان ربها قادرا على فكاكها بنفسه، لأن تصرف الفادي مع قدرة ربها على فكاكها تعدّ منه.
  • أن يجدها ربها عند المشتري من المحتل وقد اشتراها بنية الفداء ولم يكن ربها قادرا افتكاكها بنفسه، فلربها أخذها بعد دفع الفداء للمشتري.

قال الدسوقي رحمه الله: “وَأَمَّا لَوْ دَخَلُوا بِلَادَنَا بِالْقَهْرِ وَنَهَبُوا مِنْهَا أَمْتِعَةً وَأَرَادُوا بَيْعَهَا فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِمَّنْ اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ مَجَّانًا وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ الْفِدَاءِ لِرَبِّهَا فَالْأَحْسَنُ أَخْذُهَا بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ بِأَخْذِ الْكُفَّارِ لَهَا بِالْقَهْرِ مَا دَامَتْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً فِيهَا” [حاشية الدسوقي: 2/187-188]، وقال القرافي رحمه الله: “وَفِي الْكِتَابِ إِذَا قَالَ[أي ربها] كُنْتُ قَادِرًا عَلَى التَّحَيُّلِ وَالْخُرُوجِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَظَهَرَ صِدْقُهُ لَمْ يُتْبَعْ إِنِ افْتَدَاهُ [أي المشتري من المحتلّ] بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَإِنْ قَالَ [أي ربها] كُنْتُ أفدى بِدُونِ هَذَا وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ سَقَطَ الزَّائِدُ [أي الذي دفعه الفادي] وَمَتَى كَانَ [أي ربها] عَالما بفدائه [أي فداء المشتري] وَلَمْ يُنْكِرِ اتَّبَعَهُ [أي اتبع المشتري ربَّها بالفداء] كَانَ قَادِرًا عَلَى الْخُرُوجِ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ” [الذخيرة: 3/390].

ولا يجوز لأحدٍ أنْ يتصرفَ في هذه الأملاك ببيع، أو شراءٍ، أو كراءٍ، أو نحو ذلك مِن أوجه التصرف، وفعل ذلك يعدُّ مِن التعدي على حقوقِ الآخرين، ويقع باطلًا كل تصرفٍ يترتبُ عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلاّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [سنن النسائي الكبرى: 11325].

عليه؛ فليس لمن اشترى من الإيطاليين شيئا من أملاك المسلمين رجوعٌ بالثمن الذي دفعه، وعلى من اشترى منهم أن يرجع الأملاكَ لأربابها مجانًا، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي امحمد الجمل

حسن سالم الشريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

02//محرم//1443هـ

10//08//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق