ما حكم أخذ الزكاة وصرفها في نشر العلمِ وتوفير متطلباته كالدورات العلمية؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4988)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن مشايخ نعطي دورات علمية في الفقه والتجويد وحفظ المتون، للطلبة المتفرغين لحفظ القرآن، في إحدى منارات القرآن الكريم، غير أن المنارة لا تستطيع تغطية نفقات مثل هذه الدورات، المتمثلة في شراء الوسائل التعليمية، وتوفير الكتب، وأجرة المعلمين، وإعطاء الجوائز التحفيزية، علمًا أن غالب أعمار الطلبة تتراوح بين 16 و25 سنة، ولا توفر المنارة لهم سوى المأكل والمشرب والمأوى، وفي بعض الأحيان يُعطَون مِن أهل الخير مبالغ قليلة، فما حكم أخذ الزكاة وصرفها في نشر العلمِ وتوفير متطلباته؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فقد جعل الله للزكاة مصارفَ لا تدفع إلا إليها، وهي الأصنافُ الثمانية التي بيّنها الله عز وجل في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، وقوله عز وجل: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فسره بعض الفقهاء بأنه المجاهد في سبيل اللهِ، ولو كان غنيًّا، قال بهرام رحمه الله: “وَمُجَاهِدٌ تَلَبَّسَ بِغَزْوٍ وَإِنْ غَنِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ” [الشامل: 189/1]، واختُلفَ في إعطائها لمن تلبَّسَ بجهاد الكلمةِ والدعوةِ إلى الله تعالى؛ لردِّ الغزو الثقافيّ ومحاولاتِ طمسِ الهويةِ الإسلامية، فجوّزَ بعضُهم ذلكَ، بناءً على أنّ سبيلَ الله لا ينحصرُ في الجهادِ بالنفس، بل يدخلُ فيه كل ما فيه تحقيقُ مصلحةٍ عامةٍ للمسلمين، وقد خرّج ذلك جماعة مِن متأخري المالكية على قول ابن عبد الحكم رحمه الله، قال بهرام رحمه الله: “(لاَ سُورٍ وَمَرْكَبٍ) … وقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُبْنَي مِنْهَا حُصُونٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُعْمَل مِنْهَا الْمَرَاكِبُ لِلْغَزْوِ، وَيُدْفَعُ مِنْهَا أُجْرَةُ النَّوَّاتِيَّةْ” [تحبير المختصر: 113/2]، قال عليش رحمه الله: “وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ اللَّخْمِي وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ. الْمَوَّاقُ: لَمْ أَرَ الْمَنْعَ لِغَيْرِ ابْنِ بَشِيرٍ فَضْلاً عَنْ تَشْهِيرِهِ، وَلاَ تُعْطَى لِعَالِمٍ وَمُفْتٍ وَقَاضٍ إِلاَّ الْفَقِير الَّذِي لَمْ يُعْطَ حَقَّهُ مِن بَيْتِ الْمَالِ. اللَّخْمِي وَابنُ رُشْدٍ: إِنْ مُنِعُوا حَقَّهَمْ مِنْهُ أُعْطُوا وَلَوْ أَغْنِيَاءَ بِالْأَوْلَى مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الآيَةِ وَالرَّاجِح الأَوَّل” [منح الجليل: 91/2]، وعلّلَ الأولويةَ الشيخُ حجازي رحمه الله بقوله: “(قَوْلُهُ: بِالْأَوْلَى مِمَّا فِي الْآيَةِ) فَإِنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالذَّابّينَ عَن شَرِيعَتِهِ” [حاشيته على المجموع: 616/1]، وقال الوزاني رحمه الله: “قَالَ سَيّدِي عُمَرُ الْفَاسِي: قَدْ شَنَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَلْزَمَهُ مُخَالَفَةَ القُرْآنِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ يَجْعَلهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَازِي وَيُدْرِجهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَرَبُّمَا قَالَ إِنَّ الْحَصْرَ إِضَافِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَدَا الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَة أَيْ: هُمْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ … فَالْمَسْأَلَةُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ” [حاشيته على شرح ابن عاشر: 91/2]، وقال الزرقاني رحمه الله: “(لاَ ُسُورٍ َوَمَرْكَبٍ) وَفَقِيهٍ لَكِنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ دَفْعُهَا لَهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا” [شرح المختصر: 319/2].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، ولم تجدوا دعمًا ماديًّا غير مال الزكاة، فإنه يجوز لكم حينئذ أخذ الزكاة لنشر العلم الشرعي، وإعدادِ الدوراتِ، بشراءِ الوسائلِ التعليميةِ والكتبِ المحتاج إليها، وسدادِ أجرةِ المعلمينَ الذين لا يتقاضون مكافأة من الدولةِ نظير ذلك، والإنفاق على الطلبة من الزكاة، وذلك أخذًا بقول بعض أهل العلمِ، مِن إدخالِ كلّ ما يتعلقُ بمصالح المسلمين العامّةِ تحتَ قوله تعالى:﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//ربيع الأول//1444هـ
02//10//2022م