طلب فتوى
الأسرةالفتاوىالنكاح

ما حكم اشتراط عدمِ الوطءِ في عقد النكاح؟

ما حكم اتفاق الزوجين بعد الدخول على ترك الوطء؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4693)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

هل يصحُّ اشتراطُ عدمِ الوطءِ في عقد النكاح؟ وما تأثيرهُ على صحةِ العقد؟ وهل يصحُّ اتفاق الزوجين بعد العقد على عدم الوطء؟ وإن كان صحيحًا، فهل يجبُ على الزوج الوفاء به؟ وهل الحكم المذكور في قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا) الآية، خاصٌّ بمن هو كالسيدةِ سودة بنت زمعة رضي الله عنها، من كبيرات السن ونحوهنَّ، أو عامٌّ؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالغرض الأسمى من مشروعية النكاح، بقاء النوع الإنساني؛ ليستمرَّ تعمير الكون بالنوع السويِّ من الإنسان الذي يعبدُ الله، ولقد أعان اللهُ لتحقيقِ هذا الغرض الأوَّليِّ من النكاحِ بغرضٍ آخر ثانويٍّ، وهو قضاءُ الشهوةِ على وجهٍ مشروعٍ.

وفي اشتراطِ عدم الوطءِ في عقدِ النكاح هدمٌ للغرض الأوَّليِّ والثانويِّ منه، وهو شرطٌ مناقضٌ لمقتضى العقدِ، فيفسخ قبل الدخول، ويثبتُ بعده بإلغاء الشرطِ، فلا يجوز الإبقاء عليه، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا (مَا) أَيْ نِكَاحٌ (فَسَدَ لِصَدَاقِهِ) … (أَوْ) وَقَعَ (عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ) الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَقْدِ … (وَأُلْغِيَ) الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ بَعْدَ الدُّخُولِ” [الشرح الكبير: 2/238].

وأما اتفاق الزوجين بعد الدخول على ترك الوطء فلا يضرُّ، قال الصاوي رحمه الله: “اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إلَّا بِالاشْتِرَاطِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ فِي الْعِصْمَةِ فَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَلَهَا أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الْقِسْمَةِ، وَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ” [حاشية الصاوي: 2/385]، وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير آية (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا): “فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ” [الترمذي: 3040، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]، وقال القرطبيرحمه الله: “قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَفِي هَذَا أَنَّ أَنْوَاعَ الصُّلْحِ كُلَّهَا مُبَاحَةٌ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، بِأَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ تَصْبِرَ هِيَ، أَوْ تُعْطِيَ هِيَ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ الزَّوْجُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ وَيَتَمَسَّكَ بِالْعِصْمَةِ، أَوْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْأَثَرَةِ مِنْ غَيْرِ عَطَاءٍ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ” [الجامع لأحكام القرآن: 4/405].

ولا يلزم الزوج الوفاء بما اشترط عليه من ترك الوطء؛ لأنه مما لا يُقدر على الصبر على تركه عادة، وذلك قياسًا على الزوجة التي وهبتْ نوبتها لضرّتها، فإنه يُعمل به لكن يجوزُ لها أن ترجعَ عن هبتها ولا يلزمها الوفاء به؛ لأنّ الغيرةَ تمنعها من الصبر على ترك نوبتها، قال اللخمي رحمه الله: “وَإِنْ رَجَعَتْ فِي هِبَتِهَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَت الْهِبَةُ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ أَوْ لِلْأَبَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرِكُهَا فِيهِ ‌الْغِيرَةُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَهَبَتْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ أَوِ الْيَوْمَيْنِ” [التبصرة: 5/2055].

وآية: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا) نزلتْ بسبب سودةَ بنتِ زمعة رضي الله عنها، والحكم المذكور فيها عام، ليس خاصًّا بسودة رضي الله عنها، فالعبرة بعمومِ اللفظ لا بخصوص السبب، قالت عائشة رضي الله عنها: “الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ” [البخاري: 4601]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

24//ربيع الأول//1443هـ

31//10//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق