ما حكم تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بجميع أنواعها؟
ما حكم بيعها وشرائها والجلوس بجانبِ مَن يتعاطها؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4453)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بجميع أنواعها؟ وما هو الردّ على من يقول إنه لم يردْ نصٌّ صريحٌ في الكتاب والسنة بتحريمها؟ وما حكم بيعها وشرائها، والجلوس بجانبِ مَن يتعاطها؟ وما الذي يجب على الدولة من إجراء حيال ذلك؟ وهل للمتعاطي عقوبة شرعيةٌ معينةٌ كشارب الخمر؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ المؤثرات العقلية كالحشيش والمخدّرات بجميع أنواعها، ينبغي ألّا يختلف في تحريمها ولا ينازعَ فيه، لما عُلم مِن المفاسد والأضرار المحقّقة التي تنشأ عنها، فإنَّ مِن مقاصد الشريعة دفع الضرر، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) [الموطأ:2184]، ولأنّ كل ذي عقل وبصيرة يحكم بكونها مِن الخبائث، والله تعالى يقول: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157].
وكذلك لكونها تُذهبُ العقلَ وتُحدثُ نشوةً لمتعاطيها، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتّر) [سنن أبي داود: 3687].
وليس من الضروري أن ينصّ الشارع على كلّ فرد من المحرّمات، وإنما يضع ضوابط تندرج تحتها جزئياتٌ شتَّى، وأفرادٌ كثيرة، فإن النصوصَ محصورةٌ، بخلاف الأمور المفردةِ فلا يمكنُ حصرها، ويكفي أن يحرّم الشارع الخبيثَ أو الضارّ؛ ليدخل تحته ما لَا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة والضارة.
وكلّ ما حرُم تعاطيه حرم بيعه وشراؤه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ) [الدارقطني: 2815].
ولا يجوز الجلوس مع متعاطيها، لما فيه مِن الرضَى بفعلهم، وإقرارهم على باطلهم، وقد منع الفقهاء مجرّد إلقاء السلام على أهلِ المعاصي حالَ ارتكابهم المعصية، فضلًا عن الجلوس معهم والانبساطِ إليهم، إلا أن يكونَ ذلك بقصد مناصحتهم والإنكار عليهم، قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ﴾ [النساء: 140]: “فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُمْ فَقَدْ رَضِيَ فِعْلَهُمْ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ). فَكُلُّ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ مَعْصِيَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ يَكُونُ مَعَهُمْ فِي الْوِزْرِ سَوَاءً، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ إِذَا تَكَلَّمُوا بِالْمَعْصِيَةِ وَعَمِلُوا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ” [تفسير القرطبي: 5/418].
والواجبُ على الدولةِ والجهاتِ المسؤولةِ محاربةُ هذهِ الظاهرةِ، بالقيام بالحملاتِ التوعويةِ حول مخاطرها، وفرض العقوبات الصارمة على المتاجرين بها والمتعاطينَ لها، وتوفيرِ مراكزَ لعلاجِ المدمنين عليها، وغيرِ ذلك من السُّبلِ التي يضعها أهلُ الاختصاص.
وأما عقوبتها؛ فليسَ فيها حدٌّ معيّن كشارب الخمر، وإنما هي عقوبةٌ تعزيريةٌ، ترجع إلى اجتهاد الحاكم، فله أن يوقعَ فيها ما يتناسبُ مع حال المجرم، ولو وصلتِ العقوبةُ إلى القتلِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//شعبان//1442هـ
11//04//2021م