طلب فتوى
الأسرةالزكاةالعباداتالفتاوىالنكاح

مجموعة أسئلة في الزكاة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3929)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية الأسئلة التالية:

السؤال الأول: هل تخرج زكاة الذهب المخزن لفترة طويلة من الذهب نفسه، أم على سعر الذهب في موعد إخراج الزكاة المفترض، أم أحسبه في الموعد الذي أخرجته فيه فعلًا؟ وكذلك العملات الأجنبية؛ هل تخرج من جنسها، أم بقيمة الدينار الليبي؟ وكيف العمل مع اختلاف الأسعار خلال السنة، عند عدم معرفة الحول باليوم والشهر؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن الذهب سواء كان سبيكة أو مصوغًا، يجوز أن تخرج زكاته من نفسه؛ لأنه لا فساَد في إذهابِ الصياغة بكسره، وإعطاءِ الجزء الواجب من وزنِه، بخلاف المسكوكِ، ففي كسره فسادٌ، قال ابن الحاجب رحمه الله: “وَأَمَّا الْمَصُوغُ، فَيُخْرِجُ عَنْهُ الْمَكْسُورَ بِالْوَزْنِ لا بِالْقَيمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ إِذْ لَهُ كَسْرُهُ” [جامع الأمهات: 1/202]، ويجوز أيضًا إخراج زكاة الذهب المذكور من غير جنسه باعتبار قيمته، وتعتبر قيمته وقت إخراج الزكاة، وكذلك القول في العملات الأجنبية، تخرج زكاتها إما منها نفسها، أو من قيمتها بالدينار ونحوه، وتعتبر قيمتها أيضًا وقتَ الإخراج، قال خليل رحمه الله: “اخْتُلِفَ هَلْ يُخرَجُ عَنِ الْوَرِقِ ذَهَباً أَوْ بِالْعَكْسِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ – وَهْوَ الْمَشْهُورُ – الْجَوَازُ … وَالْمَشْهُورُ: اعْتِبَارُ صَرْفِ الْوَقْتِ مُطْلَقاً” [التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب: 2/79-80]، والعملات الأجنبية إذا كان لها أكثر من سعرٍ تُخرج زكاتها من أعلى سعر؛ لأن ذلك السعر هو القيمة التي يملكها صاحب تلك العملة فعلا؛ إذ لو أراد بيعها لم يبعها إلا به، وإذا جهل صاحبُ المال حولَه، فعليهِ أن يجتهد في تقدير الحولِ بما يبرئُ ذمته، ويحتاط في ذلك لصالح الفقراء، والله أعلم.

السؤال الثاني: هل يزكى الذهب المشترى بدون نية استعمال أو تخزين، أو إبقائه للأولاد، ولم يستعمل فترة طويلة، جهلاً بوجوب الزكاة؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن الأصل في الذهب سواء كان حليًّا أو غيرَهُ وجوبُ الزكاة فيه، ولا يخرج عن هذا الأصل بمجرد النية، فمِن باب أولى إن لم تكن نيةٌ أصلا، قال خليل رحمه الله: “لمَاَّ كَانَتِ النِّيَّةُ سَبَبًا ضَعِيفًا نَاسَبَ أَن تَنقُلَ إِلَى الْأَصْلِ وَلاَ تَنقُلَ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ عِندَهُ حُلِيُّ قِنيَةٍ وَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ يَنتَقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُلِي وُجُوبُ الزَّكَاةِ، إِذْ جَوْهَرِيَّتُهُ تَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى الْحُلِيَّ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ، أَنَّ النِّيَةَ لاَ تُؤَثِّرُ؛ لِكَوْنِهَا نَاقِلَةً عَنِ الْأَصْلِ”[التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب: 2/12]، وعليه؛ فالزكاة واجبة في الذهب المذكور، إن بلغ نصابًا وحال عليه الحولُ، ويخرج ما فاته من ماضي السنين ولم يزكّ، ولا يعذر بجهله؛ لأنه من المعلوم من الدين بالضرورة، فالجاهلُ به مفرط، ونية إبقائه لولده تعدُّ من الكنز، تجبُ معها الزكاة، والله أعلم.

السؤال الثالث: من عليه دين مهر مؤخر للأجلين، أو لمدة سنتين، بقدر 50 ليرة ذهب أو أكثر، وهو يملك ما يقارب قيمة الليرات في السوق، وكذا من عليه مهر مؤخر قدره (100) ليرة ذهب، ويشتري على فترات ليرة أو ليرتين، حتى يكمِّل العدد، فهل يسقط الدين الزكاةَ عنهما؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن المشهور في مذهب مالك رحمه الله أن دين المهر ونحوه – مما جرت العادة بعدم المطالبة به إلا عند الموت أو الفراق – مسقطٌ للزكاة، إن لم يكن عند الزوج من العروض والأملاك ما يفي بدينه، فمن ملك مائة ألف في تجارة ونحوها وعليه دين من مهر امرأته يساوي مائة ألف، ولا مال له غير مال التجارة، فلا زكاة عليه في مال التجارة، وكذلك من كان عليه عددٌ من الليرات مهرًا لزوجته، وصار يشتريها على فترات ليسدده لها، حتى تجمع عنده قدر النصاب، لا تجب عليه فيه الزكاة؛ لأن دين الصداق الذي لا يزال في ذمته يسقطها عنه، قال خليل رحمه الله: “اخْتُلِفَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَأْخِيرِهِ إِلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ، كَمَهْرِ الزَّوْجَةِ وَدَيْنِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَالْمَشْهُورُ الْإِسْقَاطُ” [التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب: 2/58]، وعليه؛ فلا زكاة على من يملك قيمة ليرات مهر زوجته، أو اشترى بعضها بالفعل، وليس عنده وفاء لهذا الدين من أملاك أخرى، والله أعلم.

السؤال الرابع: هل تدفع زكاة المال لشراء الدواء لصيدليات المستشفيات العامة، في ظل نقص الأدوية والمعدات، وتعرض المستشفيات والمستوصفات للعطل الجزئي أو الكلي؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فقد جعل الله عز وجل للزكاة مصارف لا تدفع إلا إليها، وهي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله جل وعلا في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60].

وصرف الزكاة في المستشفيات والمستوصفات، تترتب عليه العديد من المحاذير الشرعية؛ منها صرف الزكاة من غير تمليك للفقير، ومنها انتفاع الأغنياء من أموال الزكاة، ولكن لو استنفد القائمون على المستشفى كافةَ الطرقِ مع الجهاتِ المختصة بصرف الميزانيات، وتعذر عليهم الحصول من الميزانية العامة أو غيرها – من التبرعات أو الأموال التي تؤول إلى مصالح المسلمين – على ما يمكنهم مِن حفظِ حياة الناس، فإنه يجوز حينئذ تغطية تكاليف المعدات والأدوية الضرورية من مال الزكاة؛ لأنّ النفسَ مِن الضرورياتِ الخمس التي يجبُ حفظُها، ويرى بعضُ العلماء أنّ الإنفاقَ في هذا البابِ يدخل في مصرف: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾، قال الكاساني رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَفِي سَبِيْلِ اللهِ) فَهْوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْقُرَبِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللهِ وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجاً” [بدائع الصنائع: 2/245]، والله أعلم.

السؤال الخامس: هل تدفع زكاة المال لإجراء العمليات للفقراء والمحتاجين المرضى؟ وهل تدفع زكاة المال للمرضى بالأمراض المستعصية، مثل: حالات الإيدز والسرطان في المراحلِ الأخيرةِ؟ وهل تدفع زكاةُ المال لشراء الكراساتِ والأقلامِ ومقاعدِ المدارس؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالزكاة لها مصارفُ معلومةٌ، قد بينها الله تبارك وتعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:60]، فلا تعطَى الزكاة للعلاج، ولا لشراء الكراسات والأقلام ومقاعد المدارس، إلا إذا كان من تصرف إليه الزكاة – من المريض والمحتاج إلى الأدوات المدرسية ونحوها – فقيرًا، فإنه تعطى له الزكاة كما تعطى للفقراء، وله أن يعالج نفسه بالزكاة، أو ينفقها على نفسه، فهو في هذه الحالة يعطى بصفة الفقر، لا بصفة المرض أو العلاج، ولا شك أن الفقرَ إذا كان معه المرض، فإن صاحبه يكون أكثر احتياجًا، والعلماء ذكروا في باب الزكاة أنه يقدم مَن كان أشد حاجةً وفقرًا، على مَن هو أحسن منه حالًا، قال الشيخ خليل رحمه الله: “وَنُدِبَ إِيثَارُ الْمُضطَرِّ”، قال الدردير رحمه الله شارحًا له: “أي: الْمُحْتَاجِ عَلَى غَيْرِهِ بِأَن يُزَادَ فِي إِعْطَائِهِ مِنْهَا” [الشرح الكبير:1/498]، بشرط عدم توفر هذه العمليات ونحوها في المستشفيات العامة، وأن لا تصرف في عمليات محرمة شرعًا ونحوها مما لا ضرورة فيه؛ لأن الفقير لا يعطى من الزكاة إن عُلم أنه يصرفه في معصية وسفهٍ، ولا يصرف مال الزكاة للجهات العامة لشراءِ مقاعد الدراسة؛ لأن فيما تملكه من الميزانية العامة ما يغني عن الزكاة، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

11/ذو القعدة/1440هـ

14/07/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق