بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2307)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن شركة الاتحاد العربي للمقاولات، نمتلك برج طرابلس، المتكون من مكاتب إدارية، ومحلات تجارية، ومقاهي ومطعم، ونقوم بإيجارها لمن يرغب، فنرجو منكم؛ أولا: النظر في مواد العقد المرفق، ومدى مطابقتها للشريعة.
وثانيا: في المادة رقم (6) بخصوص مبلغ الضمان الذي يدفعه المستأجر، ويرد إليه عند انتهاء مدة الإيجار، وفق الشروط المذكورة، فإن العقد لم ينص على كيفية التصرف في الظروف الطارئة، كالتي تمر بها بلادنا؛ لأن بعض المستأجرين يقوم بفسخ العقد، أو إرادة إيقافه، علما بأن مدة العقد تتراوح ما بين سنة وثلاث سنوات.
فهل يجوز للشركة، في حال الاتفاق مع المستأجر على فسخ العقد في الظروف الطارئة، أن تأخذ مبلغ الضمان، مقابل إعفاء المستأجر من دفع الرسوم والالتزامات؟
وإن لم يجز، فما هي الطريقة الشرعية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه بدراسة بنود العقد المرفق تبين التالي:
– جاء في المادة (3) ما مضمونه: [أن الطرف الثاني (المستأجر) إذا رغب في تمديد العقد لسنة أخرى، فعليه أن يقدم طلبا بذلك، قبل انتهاء مدة العقد بثلاثة أشهر، وعلى الطرف الأول (المؤجر) الرد على الطلب في غضون شهر، بالموافقة أو الرفض، ويتضمن الرد بالموافقة تحديد موعد لدفع الإيجار للسنة الجديدة، فإن لم يدفع في الموعد اعتبرت الموافقة ملغاة، ويسقط حينئذ حق المستأجر في استرداد مبلغ الضمان، وتأخذه الشركة جبرا للضرر الذي لحقها بإلغاء التمديد].
الجواب:
فإنه بعد الاستفسار عن نوع الضرر اللاحق بالشركة بسبب إلغاء العقد؛ تبين أنه تفويت فرصة مستأجر جديد، وعليه؛ فلا يجوز للشركة أخذ المبلغ المودع لديها من المستأجر، مقابل فسخ العقد الجديد، بدعوى التضرر بذلك؛ لأنّه لا حقيقة لذلك، فعليكم حذف هذا الشرط؛ لأنه من أكل مال الغير بالباطل، والله أعلم.
– جاء في المادة (5) أن المستأجر يدفع مقدما أجرة سنة كاملة، (وتشمل القيمة الشهرية بدل الانتفاع، ونفقات الاستهلاك لملحقات الفراغ وموجوداته بحالتها الموجودة عليه عند الاستلام، والمملوكة للطرف الأول).
الجواب:
فبعد الاستفسار من الشركة، تبين أن المقصود بملحقات الفراغ؛ ما يشمله المحل من أثاث ومكيفات ونحوها، وأن المقصود بالاستهلاك هو نقص قيمة الأثاث؛ كالسقف المعلق ونحوه، بالاستعمال العادي، وهذه القيمة مضبوطة جدا حسابيا؛ لا يختلف فيها.
وهذا الأمر، وهو دفع المستأجر قيمة نفقات ما استهلك من متاع مقدما، لا يجوز؛ لأمرين:
الأول: أن فيه جهالة؛ فلا يمكن تحديد قيمة ما سيستهلكه المستأجر من متاع المحل، فإن انتفت الجهالة كما ذكرت الشركة، فيبقى الأمر الثاني: وهو أنه لا يجوز تضمين المستأجر ما يتلف بسبب الاستعمال العادي، بلا تعدٍّ منه ولا تفريط؛ لأن يد المستأجر أمينة لا ضامنة، وإنما يضمن فقط ما نجم من تلف بتفريطه وتعديه، قال ابن القاسم رحمه الله: “لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ إلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى، أَوْ يُفَرِّطَ” ]المدونة:427/3]، والله أعلم.
– جاء في المادة (7) المتضمنة لالتزامات الطرف الثاني (المستأجر)، ما نصه:
(1- الالتزام بكافة واجبات المنتفع، المنصوص عليها في الباب الثاني من القانون المدني، الخاص بالعقود الواردة على الانتفاع بالشيء، ولم يرد بها نص في هذا العقد).
الجواب:
ينبغي أن يكون كافة ما تطلبونه من المستأجر منصوص عليه في العقد، ثم توضع فقرة تقول: (في حالة ظهور نزاع بين الطرفين، يرجع فيه إلى المنصوص عليه في القانون المدني المعمول به، المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يعمل بما فيه مما يخالف الشريعة الإسلامية)، والله أعلم.
– جاء كذلك في نفس المادة ما يلي:
(4- يلتزم الطرف الثاني بعدم التنازل عن الفراغ المنتفع به للغير، ولا جزء منه، ولا تمكين الغير من الانتفاع به من الباطن، وإلا اعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه، دون الحاجة إلى تنبيه أو إنذار، مستوجبا إخلاء الفراغ، وتسليمه إلى الطرف الأول، مع احتفاظ الطرف الأول بحقوقه كاملة في التعويض ومصادرة الضمان، وباقي قيمة مقابل الانتفاع).
الجواب:
فإن استئجار المحل أو لواحقه من الباطن بما لا يضر بالعقار، وللمدة نفسها، دون زيادة جائز، فإذا انتهت مدة العقد مع المستأجر الأول، فمن حق المؤجر ألا يؤجر للجديد مطلقا، أو يعدل في الإيجار بما يراه؛ قال القرافي رحمه الله: “لك كراء الدار والحانوت من مثلك إلا أن يكون أضر بالبنيان”[الذخيرة:5/497].
وعليه؛ فالإخلال بهذا الشرط على النحو المبين لا يحلل أخذ مبلغ الضمان، والله أعلم.
– جاء في المادة (9) ما نصه: (اتفق الطرفان على أن أي تأخير في سداد مقابل الانتفاع والاستعمال في موعده، وفقا لما هو متفق عليه في هذا العقد، يجعل هذا العقد مفسوخا بينهما من تلقاء نفسه، دون الحاجة إلى تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي، وفي كل الأحوال؛ لا يخل هذا الإجراء بما يكون للطرف الأول من حقوق على الطرف الثاني، ناتجة عن هذا العقد، مع عدم الإخلال بما ورد به من أحكام أخرى).
الجواب:
يحذف ما جاء في المادة (9) وتوضع فقرة: (العمل بهذا العقد وإقراره من الطرف الأول، متوقف على دفع الطرف الثاني لكل المستحقات المترتبة عليه، وفي حالة إخلاله بها فإن الاتفاق يعد كأن لم يكن).
أما فيما يتعلق بأخذ الضمان أو جزء منه فلا يجوز، إلا اذا أحدث المستأجر ضررا فعليا؛ فيخصم منه بقدره، والله أعلم.
– جاء في المادة (13) ما نصه: (يجوز للطرف الأول فسخ هذا العقد قبل انتهاء مدته، في حالة إخلال الطرف الثاني بأي شرط من شروطه، وعدم قيامه بإزالة أسباب المخالفة، خلال شهر من تاريخ إخطاره بها من قبل الطرف الأول، ويتعين على الطرف الثاني إخلاء المكان وتسليمه وملحقاته – حال إخطاره بفسخ العقد – إلى الطرف الأول، ويسقط حقه في استرجاع الضمان، وباقي قيمة بدل الانتفاع).
الجواب:
لا يجوز لكم إسقاط حق المستأجر في استرجاع مالِهِ، المودع لديكم على وجه الضمان، بسبب إخلاله بأي شرط، إذا ثبت أنه كان بأمر خارج عن إرادته، أو لم يكن هناك ضرر فعلي أحدثه؛ جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: “لا يعمل بالشرط الجزائي، إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد” [قرارات المجمع (1/190) رقم (109) (12/3)]، والله أعلم.
– جاء في المادة (16) ما نصه: (يلتزم الطرف الثاني بالتأمين على جميع ممتلكاته، ضد الحريق وتسرب المياه، وعلى أي أخطار أخرى أو كوارث قد تلحق بها، أو بالمكان الذي ينتفع به، ويتحمل المسؤولية كاملة عن أي أضرار قد تلحق بالآخرين نتيجة لذلك، ويقصد بالآخرين الطرف الأول وتابعيه وممتلكاته، وكذلك سائر الموجودين بالمبنى بالكامل، وتابعيهم وممتلكاتهم، ويقصد بالضرر ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة).
الجواب:
فإن التأمين عند ذكره في العقد يجب أن ينص على أنه تأمين إسلامي تكافلي، ثم الجزء الخاص بالتأمين على العقار، يجب أن يتحمله المؤجر، أما الخاص بالبضاعة فهو على المستأجر؛ جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي: “إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة، فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميًّا لا تجاريًّا، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر” [قرارات المجمع (1/191) رقم (110) (12/4)].
والأضرار المترتبة على وقوع حريق أو تسرب مياه، إن كانت ناتجة عن تفريط أو تعد من المستأجر، فإنه يضمن ما ترتب على إهماله من الضرر المالي الفعلي، الذي لحق المبنى، وكذلك ما لحق صاحبه من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي؛ كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي [قرارات المجمع (1/190) رقم (109) (12/3)]، ويرجع في تقدير الضرر إلى أهل الخبرة، وأما إذا لم يكن ثَم تفريط فلا شيء على المستأجر، والله أعلم.
وأما سؤالكم الثاني، المتعلق بفسخ العقد في الظروف الطارئة، مع أخذ مبلغ الضمان، مقابل إعفاء المستأجر مِن دفع الرسوم والالتزامات.
فالجواب:
إذا وقع طارئ، كنشوب حرب لم يمكن بسببها وصول المستأجر إلى المحل، أو أدت إلى نزوح الناس عن المنطقة، أو أمر السلطان بقفل المحلات، أو سُجن المستأجر ونحو ذلك؛ فحينئذ لا يلزم دفع الإيجارات عن مدة وقوع الطارئ، وذلك لتعذر استيفاء المنفعة في تلك المدة؛ جاء في قرارات المجمع الفقهي الإسلامي: “يجوز للمستأجر فسخ الإجارة بالطوارئ العامة، التي يتعذر فيها استيفاء المنفعة، كالحرب والطوفان ونحو ذلك” [قرارات المجمع (1/23) رقم (23) (5/7)].
وإذا استمر الطارئ حتى انقضت المدة انفسخ العقد، ولا يجوز حينئذ تغريم المستأجر بأخذ مبلغ الضمان ونحوه، وينبغي التنصيص على ذلك في العقد درءًا للخلاف والتنازع.
وأما إذا كان المقصود بالظروف الطارئة كساد السوق؛ فإن ذلك لا عبرة به، ولا يفسخ به العقد إلا بالتراضي، وحينئذ يجوز أخذ الضمان مقابل الإعفاء من دفعِ الرسوم والالتزامات؛ لأنها من الضرر الفعلي، أو ما تتراضون عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15/جمادى الآخرة/1436هـ
05/أبريل/2015م