مراجعة مقترح النظام الأساسي لصندوق تكافلي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3871)
السادة المحترمون/ موظفو المعهد العالي ق ص.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم ما جاء في مقترح النظام الأساسي للصندوق التكافلي، وحكم المشاركة فيه، وإبداء الرأي الشرعي في ذلك كله.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فلا حرج في إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي والاشتراك فيه؛ لأنه من التعاون على البرّ والتقوَى، قال الله عز وجل: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) [مسلم:2699]، ومن يدفعُ كلّ شهرٍ مبلغًا معينًا لهذا الصندوقِ طواعيةً، لا يدفعُها ليغامرَ بها رغبةً في كسبِ مالِ الآخرين، وإنما يفعلُ ذلك ليعين نفسَه ويعينَ غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلةٌ لا يقدرون على دفعها، حتى يدفعوها متعاونينَ؛ وهو بذلك مأجورٌ ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) [البخاري: 2486، مسلم: 2500]. فمالُ الأشعريين قد يصيب فيه أحدُهم أكثر مما يصيبُ غيره، ومال الصندوقِ كذلك؛ قد يصيبُ فيه أحدُ المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غررٌ مُضِرٌّ ولا غبنٌ، كما لم يكن في ثوب طعامِ الأشعريين غررٌ ولا غبنٌ، وقد نصّ علماؤُنا رحمهم الله على أن الغرر المضرّ، هو ما كان في المعاملاتِ المبنية على المعاوضةِ والمماكسة، لا في عقودِ التبرعات، التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالاَتُ وَالْغَرَرُ، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ … وَمِنْهُمْ مَن فَصَّلَ – وَهوَ مَالكٌ – بين قاعدة مَا يُجتَنَبُ فِيهِ الغَرَرُ وَالجَهَالَة، وَهْوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَة مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهْوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ …، وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ؛ كَالصَدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَن أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيهِ ـ أي بِفَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا نَظِيرَ مَا فَاتَهُ ـ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمالُ المبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعُ الجَهَالَةِ فِيهِ” [الفروق: 2/137].
وبعد مراجعة النظام الأساسي لصندوق التكافل الاجتماعي، لموظفي المعهد العالي للتقنية الصناعية، تبينَ الآتي:
أوَّلًا: أنَّ النظام الأساسي بحاجة إلى إضافة فصل، تُذكر فيه المبادئ التي يلتزم بها الصندوق، عند تقديم خدماته للمشتركين، يتضمن الفقرات التالية:
1- أنَّ الصندوق ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في كلِّ ما يقوم به من أعمال، بما في ذلك: عدم استثمار أو إيداع أموال الصندوق في أمور محرمة، كالمصارف الربوية وغيرها.
2- أنَّ الاشتراك في الصندوق قائم على أساس التبرع والتكافل من قبل المشتركين؛ لإعانة بعضهم بعضًا على البرّ والتقوى، ويلتزم الصندوق بتحقيق مبدأ التكافل بين المشتركين، وذلك من خلال تقديم المساعدة لهم، طبقًا للشروط المنصوص عليها في النظام الأساسي.
3- يعتبر كلُّ مشترك شريكًا في رأس مال صندوق التكافل، بنسبة ما دفعه من اشتراكات، ويلتزم بالتعاون مع بقية المشتركين، في الحالات المنصوص عليها في النظام الأساسي.
4- يفوض المشتركون لجنة الإدارة في استثمار المتوفر من أموال الصندوق، كليًّا أو جزئيًّا، نيابة عنهم، بالوسائل المقبولة شرعًا.
5- يحق لكل مشترك إنهاء اشتراكه متى شاء، بشرط إعلام الصندوق بذلك خطيًّا، قبل الإنهاء بشهر على الأقل، ما لم يؤدِّ انسحابه إلى الإضرار بالصندوقِ أو الإخلال بالتزاماته، وفي كل الأحوال، يخصم من مجموع اشتراكات المنسحب نسبة حصته من الإعانات الممنوحة للمشتركين الآخرين، في الفترة بين إيداع اشتراكه وانسحابه الفعلي، بأن يقال: كم مقدار ما اشترك به العضو في الصندوق منذ انضمامه، وكم هي التعويضات التي دفعت للمشتركين في الفترة من وقت اشتراكه إلى وقت انسحابه فيخصم منه نسبة ما ينوبه من التعويض، ويرد له الباقي إن كان بقي له شيء.
6- عند تصفية الصندوق؛ يُردّ ما تبقى من موجوداته – بعد سداد التزاماته – على المشتركين؛ كلٌّ حسب نسبة اشتراكه، ويتبرع بالجزء الذي لا يمكن التوصل إلى أصحابه في وجوه البر.
7- الفائض المتحقق في الصندوق حقٌّ للمشتركين، وهو مملوكٌ لهم ملكًا مشتركًا.
ثانيًا: حرصًا على التزام الصندوق بأحكام الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها؛ على الصندوق تكليف مستشارٍ شرعيٍّ يوجِّه أعماله.
ثالثًا: جاء في البند (4) من المادة (3) من النظام الأساسي ما نصه: (كل من تأخر عن الاشتراك بالصندوق من العاملين بالمعهد ملزم بسداد الأقساط من تاريخ إنشاء الصندوق).
والواجب حذف هذه المادة؛ فإنَّها منافية لمبدأ التبرع والتعاون الذي يقوم عليه الصندوق، كما أنَّه ليس من العدل أن يُكلَّف المشترك بدفع الرسوم السابقة لاشتراكه، مع كونه لم يحظ بإعاناتِ وأرباحِ تلك الفترة إن وجدت، ولم يستفد فيها شيئا.
رابعاً: جاء في المادة (4) من النظام الأساسي، ما نصه:
تنتهي العضويةُ في الصُّندوقِ في الحالات الآتيةِ:
- في حالة وفاة العضو.
- في حالة انتهاء الخدمة بالمعهد بانتقال الموظف، أو التقاعد، أو الانسحاب، أو الفصل.
يفضل الاستعاضة عنها بشرط واحد، وهو: وفاة المشترك، أو امتناعه عن دفع الاشتراك لمدة معينة معلومة؛ فليس مِن العدل أن يُحرم المشترك من الاستفادة من الصندوق ويُخرج منه لمجرد توقف مرتبه أو تقاعده، مع استمراره في سداد الاشتراك بالآلية التي تحددونها لهم.
خامسًا: جاء في البند (2)، من المادة (34) من النظام الأساسي، ما نصه:
تتكون موارد الصندوق مما يلي: 2- جزاءات الخصم من المرتب الموقعة على العاملين.
الدولة قد أعطت الإذن في جعل ما يخصم من مرتب الموظف بسبب الغياب ونحوه من ضمن موارد الصندوق التكافلي بمؤسسات الدولة، بقانون العمل رقم (12) لسنة (2010)م، لذلك فما دامت الدولة أذنت، فلا حرج، وننوه أن الأصل أنه مملوك للدولة، وأن الجواز معلق ببقاء العمل بهذا القانون، وقدْ حذرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن التخوّض في مالِ الله بغيرِ حقّ، فقال: (إنّ رجالًا يتخوَّضونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقّ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ) [البخاري: 3118].
سادسًا: جاء في المادة (40) من النظام الأساسي، ما نصه:
أوجه الصرف من ميزانية الصندوق:
أولًا: الإعانة في حالات وفاة العضو، أو أحد قرابته المذكورين.
الواجب في حالة وفاة المشترك، إعطاء الإعانة لأسرة المتوفى بعد نهاية العزاء؛ ليستفيدوا منها في غير المنهي عنه، لا في العزاء؛ لما يحصل – غالبًا – من مخالفةٍ عند دفع المال لمن يموت له أحد قرابته، فيستعين بذلك على شراء الذبائح وإطعام الطعام، وهو منْهيٌّ عنه؛ لما جاء عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كُنَّا نَرَى الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةِ الطَّعَامِ مِن النِّيَاحَةِ) [ابن ماجه: 1612]، ولا تجوز الإعانة على المناهي، وترسيخ هذه العادة القبيحة، التي تحوِّل المآتم إلى ضيافة وولائم.
سابعًا: جاء في المادة (39) من النظام الأساسي ما نصه: (أموال الصندوق – بما فيها الاشتراكات والممتلكات والتبرعات – تعتبر ملكًا للصندوق، وليس للعضو المنسحب أو المفصول حق فيها، ولا يستحق العضو أي تعويض من الصندوق إلا في الحالات الآتية: الاستقالة والنقل وإنهاء الخدمة في حالة عدم الاستفادة من مزايا الصندوق خلال فترة الاشتراك، ويكون التعويض بقيمة 75% من قيمة اشتراكاته).
يراجع في المبادئ الأساسية المقترحة النقاط رقم (3 – 5)، وكذا في كل ما يخالفها.
ثامنًا: جاء في المادة (40) من النظام الأساسي، ما نصه: (خامسًا: السلف: للمشترك الحق في الحصول على سلفة مالية وفق الضوابط الآتية: 1- أن يكون قد مضى على اشتراكه بالصندوق مدة سنتان..).
هذه النقطة فيها إجحاف بحقوق المتبرعين، وقد تقدم أن هذا العقد مبني على المسامحة والمتاركة، لا المغالبة، ومثل هذه الشروط تعد من شروط الإذعان المحرمة شرعًا، فالعدل أنه متى تقيد بدفع الأقساط، والتزم بذلك، ولم يظهر حصول الضرر قبل انتسابه للصندوق، استحق الإعانة، وإلّا عومل بنقيض قصده، ولا حرج شرعًا في ذلك، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
10/شعبان/1440هـ
15/04/2019م