بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1517)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
حبس المتوفى الحاج رمضان ميزران بعض أملاكه على نفسه، ثم بعد موته على أولاده لصلبه الذكور والإناث على الفريضة الشرعية، للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم على أولاد أولاده، طبقة بعد طبقة على الفريضة الشرعية، ومن مات منهم عن فرع نُزِّل ذلك الفرع منزلته، وإن سفل، وأخذ جميع ما كان يأخذه أصله، ومن مات منهم عن غير فرع رجع نصيبه على إخوته، الذين هم من أصل المحبِّس، ويكون على الفريضة الشرعية، واشترط عدم دخول فرع مع أصله، وعدم حجب أصل غير فرعه، ونزّل احويوة بنت ابنه محمد – الذي مات قبله – منزلة عماتها بنات الواقف، وهن: خدوجة، وزهرة، ومناني، ومريومة.
ولما ماتت احويوة المذكورة حفيدة الواقف، المنزَّلة منزلة عماتها بنات الواقف، لم تترك عقبا، وعقب الواقف الذين هم في طبقتها هم أبناء وبنات عماتها، منهم أولاد عماتها خدوجة، وهم: محمد، وحلومة، وفطيم، وعواشة أبناء بن زكري، وأولاد عمتها زهرة، وهم: حسين، ومحمد، وأنيسة، وليلى، وعواشة ورمضان أبناء المبروك، وابن عمتها مناني: محمد انديشة، وكل أفراد طبقتها من أولاد وبنات عماتها ماتوا جميعا قبلها، سوى حلومة بن زكري، وحسن وامحمد، وأنيسة، وليلى، وعواشة أبناء المبروك، ومحمد انديشة، وما عدا هؤلاء من عقب عماتها ماتوا جميعا قبلها، وممن مات قبلها من بنات وأولاد عماتها عواشة بن زكري، التي من عقبها المهدي، وامحمد والطاهر زغوان، وابن عمتها زهرة: رمضان المبروك، الذي من عقبه عبد الرؤوف ومحمد وخديجة.
وذكر الواقف أنه عند انقطاع استحقاق احويوة ترجع حصتها إلى أقرب الموجودين إليها.
السؤال: هل لعقب المهدي وامحمد والطاهر زغوان استحقاق عن طريق جدتهم عواشه بن زكري في نصيب احويوه حفيدة الواقف، التي ماتت عن غير عقب، وهل لأولاد رمضان المبروك، وهم: عبد الرؤوف وامحمد وخديجة، استحقاق كذلك في نصيب احويوة المذكورة عن طريق والدهم رمضان المبروك، بمعنى آخر: هل نصيب احويوة يوزع على الموجودين فقط من بنات وأولاد عماتها يوم وفاتها، وهم: حلومة بن زكري، ومحمد انديشة، وأبناء المبروك ما عدا رمضان، الذي مات قبلها، أم يوزع على جميع عقب عماتها، حتى من مات قبلها، بما فيهم عواشة بن زكري ورمضان المبروك، وينزل فرع عواشة وهم أبناء زغوان المهدي وامحمد والطاهر منزلتها، فيستحقون حصة أمهم عواشة في نصيبها من احويوة، وينزل عبد الرؤوف وامحمد وخديجة أبناء رمضان المبروك منزلة أبيهم فيستحقون حصته؟
نرجو الإفادة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فإن (احويوة) حفيدة الواقف، التي يدور حول قسمة نصيبها السؤال، ماتت عن غير فرع وارث، ولا إخوة، وهي مُنزلة مَنزلة بنات الواقف من صلبه، ولما كان من المتفق عليه بين أهل العلم أنه يُرجع في الحبس إلى ألفاظ الواقف، وأنه يجب اتباعها في الأمور الجائزة والمندوبة، ولا تجوز مخالفتها، قال الشيخ خليل المالكي في مختصره مع الشرح الكبير: “واتبع وجوبا شرطه – أي الواقف – إن جاز شرعا” [الشرح الكبير على مختصر خليل: 4/88]، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم.
كما يجب حمل ما أشكل من ألفاظ الواقف على ما يدل من فحوى الكلام أنه مراد له.
وعليه؛ فنصيب احويوة المذكورة بعد موتها يستحقه الأحياء من عقب عماتها يوم موتها؛ لأنه نص الواقف، حيث قال: إنه عند انقطاع استحقاق احويوة فإن نصيبها “يرجع إلى أقرب أهل الحبس إليها يومئذ” (الوثيقة صفحة 5)، وأقرب الموجودين إليها من الأحياء يوم موتها هم:
- 1.بنت عمتها خدوجة، وهي: حلومة بن زكري.
- 2.أولاد عمتها زهرة، وهم: محمد، وحسين، وعواشة، وأنيسة، وليلى أولاد المبروك.
- 3.ابن عمتها مناني، وهو: محمد انديشة.
ولا يستحق في نصيب احويوة من مات من أولاد وبنات عماتها قبلها، ومنهم عواشة بنت بن زكري، ورمضان المبروك؛ لأنهما ميتان يوم الاستحقاق، غير موجودَين، والميت لا يثبت له بعد موته حق؛ لخراب ذمته بالموت، وهذا لا يختلف عليه أحد، فإن مَن مات قبل أبيه فلا ميراث له في أبيه.
ولا يستحق في نصيب احويوة كذلك عقب عواشة بنت بن زكري المذكورة، وهم أولاد كل من: المهدي والطاهر وامحمد زغوان، ولا عقب ابن عمتها رمضان المبروك، وهم: عبد الرؤوف وامحمد وخديجة، وذلك:
أولًا: لأن أصلهم وهما: عواشة ورمضان غير مستحقين في نصيب احويوة شيئا، وإذا لم يستحق الأصل لا يستحق الفرع؛ لأن استحقاق الفرع هو فرع عن استحقاق الأصل، فإذا لم يثبت للأصل حق لم يثبت للفرع.
ثانيًا: لوجود من هو أقرب منهم إلى احويوة وقت موتها، فهم محجوبون عن نصيبها بالطبقة العليا؛ لأن المُحَبِّس نص في الوثيقة على أن احويوة إذا بطل استحقاقها فإن نصيبها “يرجع إلى أقرب أهل الحبس إليها يومئذ” (الوثيقة صفحة 5)، ولا معنى لنص المحبس هذا سوى أن الطبقة العليا من المستحقين تحجب الطبقة السفلى، التي لم يثبت لأصلها استحقاق، فعقب عواشة بنت بن زكري، وعقب رمضان المبروك جميعا محجوبون عن نصيب احويوة يوم ماتت بالأحياء من الطبقة التي فوقهم، وهم أبناء عمتها.
ويتأكد هذا الحجب بأن الواقف أجرى الوقف مجرى الفريضة الشرعية، فقد نص في الوثيقة على أن الحبس يكون على الفريضة الشرعية، وأكد على ذلك في ثلاثة مواضع من الوثيقة (الوثيقة ص 5)، وهذا يبين أن الواقف يرغب في أن ينفذ حبسه على الوجه الذي يتفق مع قسمة الفرائض، وأنه يرجع فيما أشكل منه إلى الشرع، والرجوع إلى الشرع يقضي بأن الطبقة البعدى غير المستحقة لا يستحق وارثها أيضا؛ لأنه يدلي بغير مستحق، بل يوزع نصيب من مات من الطبقة العليا على المستحقين من تلك الطبقة فقط، ولا ينزل الاستحقاق إلى عقب من أصلهم كان غير مستحق؛ لأنه أدلى بغير وارث، فلا يكون وارثا، كما هي القاعدة في الميراث والفرائض، وهو ما عناه الواقف بقوله: “ورجع – نصيب احويوة – لأقرب أهل الحبس إليها يومئذ، … طبقة بعد طبقة على الفريضة” (الوثيقة صفحة 5).
وقد أفصح الواقف على مراده هذا في حجب الأعلى للأدنى عندما يكون أصله غير مستحق، تطبيقا وعملا، بعد أن ذكره شرطا ولفظا، وذلك حين نَزَّل احويوة بنت ابنه محمد، الذي مات في حياته قبل أن يثبت له استحقاق في الوقف، نزلها منزلة عماتها، فإنه لو كانت السفلى من بنات العمات أو الخالات تستحق مع وجود الأعلى منهن ما لا يستحقه أصلها، لأخذت احويوة تلقائيا مع عماتها نصيب أبيها محمد، الذي مات في حياة الواقف، قبل أن يستحق شيئا من الوقف، بل لكان لها في الوقف حصتان مع عماتها، كما كان لأبيها معهن، ولما احتاج الواقف أن ينزلها منزلة بناته من صلبه لتأخذ معهن؛ لأنها تأخذ نصيب أبيها محمد، وتقاسم عماتها، دون احتياج إلى تنزيل، فلما نزلها جدها الواقف لتأخذ مع عمتها كواحدة منهن، علم أن ترتيب الواقف في الحُبس يقتضي أنه لو لم يفعل ذلك، فلا تستحق احويوة مع عماتها شيئا، ولا تنزل منزلة أبيها غير المستحق لموته قبل الواقف، وهذا أبين دليل عملي طبَّقه الواقف في حياته، يفصح عن غرضه ومراده في أن الأعلى يحجب الأدنى، فيما لم يثبت لأصل الأدنى فيه استحقاق، فلا يجوز المحيد عنه.
ومنه يعلم أن قول الواقف: “ومن مات منهم عن فرع نزل ذلك الفرع منزلته وإن سفل وأخذ جميع ما كان يأخذه أصله” معناه: أنه ينزل منزلة أصله فيما يستحقه أصله، لا فيما لا استحقاق فيه لأصله، وقد علمنا أن عواشة بنت بن زكري ورمضان المبروك لا استحقاق لهما في نصيب احويوة؛ لموتهما قبلها، وإذا كان الأصل، وهما: عواشة بنت بن زكري، ورمضان المبروك غير مستحقين شيئا من نصيب احويوة، ففرعهما أيضا غير مستحق؛ لأنه إذا بطل حق الأصل بطل حق الفرع، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/ذو الحجة/1434هــ
2013/10/24م