بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4342)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
اتفق طرفان على افتتاح محل تجاري، ونصَّ الاتفاقُ على أن يلتزم الطرف الأول بدفع رأس المال وتجهيز المحل للتسويق، من حيث الديكور ووسائل العرض وغيرها، بمبلغ قدره 166000 دينار، وأن يلتزم الطرف الثاني بإدارة المحل من حيث المشتريات والتسويق وتشغيل المحل، على أن تكون الأرباح وقيمة الإيجارات الشهرية للمحل مناصفةً بينهما، وقد دفع الطرف الأول مبلغ 16000 دينار قيمة الإيجار عن المدة الأولى، ولم يدفع الطرف الثاني نصف المبلغَ المستحق عليه وهو 8000 دينار، وبعد افتتاح المحل تم إقفال الحسابات للسنوات الثلاث الأولى من بداية العمل، وتوزيع الأرباح مناصفة بينهما، لكن منذ ثلاث سنوات لم يتم توزيع الأرباح نظرًا لنقص المبيعات، ومنذ أشهر قام الطرف الأول بزيارة المحل، فوجد من يتولى المبيعات شخصًا ذو سمعة سيئةٍ، لا يرتضيه للعمل في المحل، فأبلغ الطرفَ الثاني بضرورة طرد هذا الموظف فورًا، وأقفلَ الطرفُ الأول المحلَّ حتى يتم طرد هذا الموظف، وتطور الأمر بين الطرفين إلى الرغبة في إلغاء الاتفاق، وقد دفع الطرف الأول قيمة الإيجار في الفترة التي أقفلَ فيها المحل، فهل يُلزم الطرف الثاني بتحمل قيمة الإيجار في الفترة التي أَقفل فيها الطرفُ الأول المحل؟ يدعي الطرف الأول أن من أسباب خسائر المحل، تكليف الطرف الثاني لموظف غير كُفء، وأنه اشترط عليه عند الاتفاق أن من يقوم بتشغيل المحل يجب أن يكون الطرف الثاني أو فردًا من عائلته، وهذا ما ينكره الطرف الثاني فهل يتحمل الطرف الثاني الخسائر بسبب هذا التكليف؟ وهل يتحمل الطرف الثاني ثمن البضائع التي باعها بالآجل بمبلغ 34000 دينار دون موافقة الطرف الأول، ولم يتم سداد ثمنها حتى الآن؟ وهل يُلزم بدفع مرتبات العمال التي دُفعت من صندوق المحل بقيمة 24000 دينار؟ وهل يتحمل الطرف الأول قيمة إيجار المخزن الذي نقل فيه الطرفُ الثاني البضاعة من المحل -دون موافقة الطرف الأول- فترة الحرب؛ لأن المكان كان قريبًا من الاشتباكات؟ وهل يحق للطرف الثاني المطالبة بأجرة نقل البضاعة إلى المحل بسيارته الخاصة؟ وكيف يتم احتساب قيمة البضاعة التي في المحل بعد خصم رأس المال؟ هل يتم احتسابها بسعر بيعها في السوق بالقطعة، أم بسعر فواتير الشراء، أم بسعر بيعها جملة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذا الاتفاق بين الطرفين عقد قراض، يكون فيه صاحب رأس المال شريكًا برأس ماله والعامل شريكا بجهده، فلا يطالب الطرف الثاني بتحمل إيجار المحل في الفترة التي أقفله فيه الطرف الأول؛ لأنه متعدٍّ بتسببه في منع الطرف الثاني من العمل، والقاعدة أن الضمان على المتعدي.
أما مطالبة الطرف الأول بالخسائر الناتجة عن توظيف الطرف الثاني موظفًا غير كفء، فإن كان العامل (الطرف الثاني) موجودًا في المحل طول الوقت، أو أغلب الوقت، والبيع والشراء تحت نظره، فإن الطرف الثاني يحلف أنه ما فرط، ولا ضمان عليه، أما إن سَلّم المحل لغيره وكان لا يزوره إلا قليلا، فمن حق رب المال (الطرف الأول) أن يتهمه بالتفريط؛ لأنه أمّنه على العمل، ولم يُؤمِّن غيره، فيكون العامل في هذه الحالة – إذا سلم العمل إلى غيره وانشغل عن المحل، دون أن يكون موجودا فيه أغلب الوقت- يكون ضامنا لتفريطه، قال الدردير رحمه الله: “(وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي) دَعْوَى (تَلَفِهِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ رَضِيَهُ أَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا فِي الْوَاقِعِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ وَإِلاَّ ضَمِنَ (وَ) فِي دَعْوَى (خُسْرِهِ) بِيَمِينٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلاَّ لِقَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ” [الشرح الكبير:536/3].
ويتحمل الطرف الثاني ثمن البضائع التي باعها بالدين، دون موافقة الطرف الأول؛ لأنه عرض المال للضياع، قال الدسوقي رحمه الله: ” (قَوْلُهُ أَوْ بَاعَ بِدَيْنٍ) أَيْ بِنَسِيئَةٍ فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلضَّيَاعِ فَالرِّبْحُ لَهُمَا وَالْخَسَارَةُ عَلَى الْعَامِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ من الخرشي”[حاشية الدسوقي: 3/526].
وأجرة العمال الذين وظفهم الطرف الثاني واجبة عليه، إلا إن كان هناك شرط أو عرف بخلاف ذلك، أو أن يكون العمل كثيرا لا يقدر عليه العامل بمفرده، فيستأجر من يعينه، فتدخل أجرتهم في التكلفة التشغيلية التي تخصم من العوائد قبل احتساب الأرباح؛ لأن العامل كالوكيل، قال الدسوقي رحمه الله: “قَوْلُهُ: (وَمُنِعَ تَوْكِيلُهُ) أَيْ مُنِعَ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ عَلَى مَا وُكِّلَ فِيهِ بِغَيْرِ رِضَا مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَمَانَتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ غَيْرَ مُفَوَّضٍ أَيْ وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِغَيْرِ رِضَا مُوَكِّلِهِ” [حاشية الدسوقي: 3/388]، قال الدردير رحمه الله: ” (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَكْثُرَ) … فَيُوَكِّلُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْكَثِيرِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ لِيُعَيِّنَهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ اسْتِقْلَالًا “[ الشرح الكبير: 3/388].
وأما أجرة المخزن الذي نَقل فيه الطرف الثاني البضاعة وقت الحرب، فهي على الطرفين؛ لأن البضاعة من تجارتهما، فيلزم الطرفين كلفة حفظها وتخزينها؛ لأنه عمل لا بد منه لاستمرارها، وانتفع به الطرف الأول، قال التسولي رحمه الله: “قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكُلُّ مَنْ أَوْصَلَ لَكَ نَفْعاً بِعَمَلٍ أَوْ مَالٍ وَإِن بِغَيْرِ قَصْدِ نَفْعِكَ كَأنَ حَرَثَ أَرْضَكَ ظَانّاً أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِهِ مِمَّا لاَبُدَّ لَكَ مِنْهُ، كَحَرْثِهِ أَرْضَكَ أَوْ سَقْيِهِ إِيَّاهَا أَوْ حَصْدِ زَرْعِكَ أَوْ طَحْنِ حَبِّكَ أَوْ حَفْرِ بِئْرِكَ أَوْ بِنَاءِ دَارِكَ أَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ وَلَدِكَ أَوْ عَبْدِكَ لَزِمَكَ أُجْرَةُ الْعَمَلِ، وَمِثْلُ الْمَالِ الَّذِي أَنفَقَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ عَنكَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَهْوَ غَاصِبٌ لاَ شَيْءَ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِالْأُجْرَةِ، وَبِمِثْلِ الْمَالِ الْمُنْفَقِ، فَإِنْ كَانَ عَمَلاً لاَ تَحْتَاجُ لَهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضِكَ لاَ حَاجَةَ لَكَ بِهِ، أَوْ أَنفَقَ عَلَى مَن لاَ تَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ، أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا تَلِيهِ بِنَفْسِكَ أَوْ عَبِيدِكَ أَوْ دَوَابِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ اهـ باختصار وتقديمٍ وتأخيرٍ وزيادةِ للإيضاحِ، وهذه الكليةُ ذكرها ابنُ حارثٍ … ونقلها ابنُ شاس وابنُ الحاجبِ وابنُ عَرَفَةَ … وسلمُوهَا، وَلَمْ يَعْتَرِضُوا مِنْهَا شَيْئاً” [البهجة شرح التحفة: 2/347].
ولا يستحق الطرف الثاني أجرة على نقله البضاعة بسيارته إن لم يطالب بذلك إلا بعد الخصام؛ لأن المطالبة عند الخصام تدل على أنه فعله قبل ذلك على المكارمة، قال التسولي رحمه الله: “قَالَ: وَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُطْلَبُ إِلاَّ عِنْدَ الْمُشَاجَرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ لاَ يُحْكَمُ بِهِ لِطَالِبِهِ” [البهجة: 2/457].
وأما حكم البضائع التي في المحل، فالواجب عند فض القراض أن تُقوّم البضائع بسعر السوق الفعلي بالجملة، كما لو أريد بيعها لطرف آخر، ويرد رأس مال البضائع إلى صاحبه، وما زاد عليه يقسم بالنسب المتفق عليها، فإن لم يوجد ربح فلا شيء للعامل، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20//جمادى الأولى//1442هـ
04//01//2021م