طلب فتوى
الرهنالفتاوىالمعاملات

مسائل في غلق الرهن والرهن الفاسد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1138)

  

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

         في أواخر التسعينيات اتفق ابني وزوجتي – دون علمي – مع شخص دفع لهما مبلغ مائة ألف دينار، يقومان بتوظيفها، على أن يسترجعه مضاعفا خلال شهرين، فخسرا المال كله، وطالب الدافع برأس ماله، فالتزمت برد المبلغ، وبادر أخواي برهن عقار لهما (بيت قديم, قيمته آنذاك 40 ألفا)، إلى أجل محدد، على أن يصير العقار ملكا للمرتهن في حالة عجزي عن السداد في الأجل المحدد، ولما لم أتمكن من ذلك عند حلول الأجل قام المرتهن بإتمام إجراءات نقل الملكية، ثم هَدم البيت القديم وعَرض الأرض للبيع، فباعها بعد سنوات، ثم باعها المشتري إلى آخر، سنة 2010م بمبلغ 400 ألف دينار، وفي الأثناء توفي أحد أخوي، ولما شرع المالك الأخير في بناء مبنى تجاري على الأرض اعترض عليه كل الورثة من عائلتنا، وطالبوه بإرجاع العقار، فاتفق معهم أن يدفعوا إليه الـ(400 ألف)، ويتركه لهم، وحدد لهم أجلا لذلك، وطالبوني بتوفير الـ(400 ألف)، فحل الأجل ولم أتمكن من توفيرها، فشرع في إتمام البناء، وأتمه في أربعة طوابق، وما زال الورثة يطالبونني بهذا المبلغ ليدفعوه إليه، على سبيل المشاركة في الاستثمار، فهل يجوز أن أسدد قيمة الدين الأصلية (100 ألف) بأربعة أضعافها؟.

الجواب:

           الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

          فالعقد الأول فاسد؛ لأن فيه اشتراط ضمان رأس المال واشتراط الربح، فليس لصاحب رأس المال الآن إلا رأس ماله، وعقد الرهن فاسد كذلك؛ لأنه من غَلَق الرهن المنهي عنه، وقد اتفق الفقهاء على فساده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ) [الموطأ:2698، ابن ماجه:2535]، قال الإمام مالك رحمه الله: “وتفسير ذلك، فيما نرى والله أعلم، أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء، وفي الرهن فضل عما رهن به، فيقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى أجل يسميه له، وإلا فالرهن لك بما رهن فيه”، ثم قال رحمه الله: “فهذا لا يصلح ولا يحل، وهذا الذي نهي عنه، وإن جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الأجل، فهو له، وأرى هذا الشرط منفسخا” [الموطأ:1055/4]، قال الباجي رحمه الله: ” وإنما معنى قوله: إنه يفسخ؛ أنه إن كان ما عليه مؤجلا إلى سنة أنه يفسخ قبل السنة، وهذا كله قول مالك في المدونة، قال القاضي أبو الوليد: وعندي أنه يجب أن يفسخ غلاقه، وأما أن يؤخذ من المرتهن، ويبقى دينه دون رهن فلا”[المنتقى:15/4]، وكون الدائن تصرف بالهدم ثم باع العقار، والذي اشتراه بنى عليه، كل هذا يفوّت المرهون، وعلى المرتهن أن يأخذ من الثمن الذي باع به مقدار دينه ويرد الباقي إلى الراهنين، قال الباجي رحمه الله: “وأما في الدور والأرضين فإن حوالة الأسواق، وطول الزمان لا يفيتها، وترد إلى الراهن؛ لأنه بيع فاسد محرم، وإنما يفيتها الهدم والبنيان والغرس، سواء تهدمت بفعل المرتهن أو بفعل غيره”[المنتقى:15/4]، وقال أيضا رحمه الله: “فإن لم يرد بعد الأجل وما يقرب منه حتى تغيرت أسواقه أو تغير بزيادة أو نقصان لزمه بقيمته، ويقاص بثمنه من دينه، ويترادان الفضل، قاله مالك في المدونة” [المنتقى:15/4]، فإن كان الثمن الذي تم به بيع العقار أقل من الدين الذي يطلبه المرتهن، فإن له المطالبة ببقية دينه، وإن كان باعه بأكثر من الدين فعليه أن يرد الزائد إلى الرهن، وليس للأخوة على الراهن إلا ثمن أرضهم الذي بيعت به، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                        مفتي عام ليبيا

4/جمادى الآخرة/1434هـ

2013/4/15

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق