مقال للمفتي بعنوان: هل الحجاب عادة يهودية ؟!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الحجاب عادة يهودية ؟!!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛
فإن من يقولُ: الحجابُ عادةٌ يهوديةٌ، يُسْألُ: ماذا يقصدُ؟
فإن كان يعني أن اليهودُ اليومَ تتحجَّبُ نساؤُهم؛ فهذا غيرُ صحيحٍ، والقضيّةُ غيرُ صادقَةٍ، بل اليهودُ اليومَ أكثرُ أهلِ الأرضِ تكشفا ودعوةً إلى العري و الانحِلالِ، وإن قال: إنّه يريدُ بني إسرائيلَ، وما جاء في التوراة، فيُقالُ له: أيّ غَرابةٍ في هَذا؟!!
فشرائعُ الأنبياءِ كلُّها مِن مِشكاةٍ واحدةٍ، إلا أن يقصدَ بنِسبَة الحِجابِ إلى اليَهوديةِ الاستهجانَ والتنفيرَ؛ لأَنّ اليهودَ عندَ المسلمينَ رمز الظلم والقهرِ، ولا يَتقبّلُ المسلم شيئًا نُسبَ إليهم.
الحِجابُ بهذا المعنى المنفر ليسَ عادةً يهوديةً، كمَا نسمعُ هذِه الأيّام.
ولا هو أيضًا عملٌ عمِلَهُ الشيْطانُ لآدَمَ وحوّاءَ في الجنّة، كمَا سمِعنا من القذَّافي في سالِف الأعوام.
ولا هوَ مسألةٌ شخصيةٌ كمَا يردده دعاةُ الليبراليّةِ في بلاد الإسلام.
الحجابُ حُكمٌ إلهيٌّ أنزلَه اللهُ في كتابِه، وبينتْه سُنةُ نبيِّه.ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهوَ حقٌّ مِن حقوقِ المرأةِ، إذا مُنعَت مِنهُ، مِن حقِّها المطالبَةُ بهِ؛ وما حكم الله تعالى به فليس للمسلم معه خيار، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.(
قدْ يقولُ القائلُ: نعَم سمِعْنا وأطَعنا لِكلامِ ربّنا، وسنَّة نبيّنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكِن هاتُوا لنا آيةً مِن كتابِ ربِّنا وسنة عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأمُرُ بالحِجابِ، أو تأمرُ المرأةَ أنْ تغطّيَ رأْسَها.
يُقالُ لَه أحسنت، لكن قبل ذلك، الله تبارك وتعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، وأهلُ الذكْرِ هُم أهلُ العلمِ في كلِّ اختصاصٍ، هذا محلُّ اتفاقٍ بينَ العُقلاءِ، كلُّ اختصاصٍ يُسألُ عنهُ أَهلُه، فلَو أحد مثلا تناولَ سُمًّا، وذَهبْتَ بهِ إلَى المُحامِي لِتُسعفَه؛ قتَلتَهُ، ولو طَلبَ أحدٌ حُكْما شرعيًّا وذهبْت بِه إلَى طبيبٍ غشَشْتَه.
فالمريضُ يسألُ الطبيبَ، وطالبُ الفتوَى يَسألُ العالِمَ بالشرْعِ؛ لأنّ اللهَ تعالَى يقولُ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، ويقول: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.(
وفيما يَلى ما يدلُّ على وجوبِ الحجابِ منَ القرآنِ والسنة:
1- قال الله تعالَى في سورةِ النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، الخُمُرُ: جمعُ خِمارٍ، قال ابنُ منظورٍ في لسانِ العربِ: “الخمارُ هو مَا تغطِّي بهِ المرأةُ رأسَها، والجيوبُ جمعُ جيبٍ، قال القرطبي: موضع القَطْع من القميص (فتحة الرقبة) أي النحر والعنق، فالآية أمرت بستر الرأس والعنق والنحر.
2– وفي صحيح البخاريِّ عنْ عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ في تفسيرِ هذه الآيةِ قالت: ( يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا)، المُروطُ: جمعُ مِرطٍ بالكسرِ، ثوبُ المرأةِ، أي: قطعْنَ بعضَ ثيابهِنّ، واختمرْنَ بهَا على الرؤوسِ، فهذهِ سنةٌ فسَّرتِ الآيةَ، وبيَّنتِ المُرادَ منها، يتعينُ المصيرُ إليْها، قالَ اللهُ تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(
3- قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُّعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، قال القرطبيُّ في التفسيرِ نقلا عن أهل اللغةِ: الجلبابُ؛ المَلاءةُ والمِلحَفةُ التي تُجلّلُ جميعَ الجسَدِ وتغطيهِ.
4- قال اللهُ تعالى عن نساءِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَّرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، دلَّت الآيةُ على أنَّه لا يحلُّ مخاطبةُ نساءِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغيرِ حجابٍ، ومَا خوطِبَ به نساءُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو خطاب لجميع النساءِ، إلا منِ استُثنيَ بدليلٍ خاصّ، ولم يأتِ دليلٌ خاصّ يستَثني نساءَ المؤمنينَ مِن الحجابِ، بلْ في الآيةِ ما يدلُّ على عمومِ الطلبِ؛ فإنَّ العلةَ التِي في حجابِ نساءِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهنَّ)، متحقِّقةٌ في غيرهِنّ من النّساءِ، بلْ غيرُهنّ من النساءّ أولَى أن يحتَجبْنَ؛ لأنهنَّ أحوجُ من نساءِ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذا الوصْف، فهذا يَدخُلُ فيما يُسمى فحوى الخطابِ، أو قِياس الأوْلَى.
5- قالَ تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَّضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَّسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وقال تعالى: )وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى)، التبرجُ معناهُ التكشفُ والظهورُ، ومنه: بروجٌ مشيدةٌ، وبروجُ الأسوارِ ظهورُها للناظرِ وانكشافُها، فالآية نهت عن التبرج، ومِن التبرجِ كشفُ الشعرِ والرأسِ، ولُبسُ الثيابِ الشفافَةِ الرقيقةِ، ومَا يُبدي المَحاسنَ، فَفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ) :صِنفانِ مِن أهلِ النارِ لمْ أرَهُما؛ قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربونَ بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلةِ، لا يدخُلْنَ الجنةَ ولا يجِدْنَ ريحَها، وإنّ ريحَها لَيوجَدُ مِن مسيرةِ كَذا وكَذا).
وإذا لم يكُنْ كشفُ الشعرِ والرأْسِ مِنَ التبرّجِ، فكيفَ يكونُ التبرجُ؟!!
بلِ القرآنُ نهَى عمَّا هوَ أقلُّ فتنةً مِن كشفِ الشعرِ والرأسِ، وهوَ تحريكُ الأرجُلِ عندَ المشيِ بصوت مسموعٍ، وعَن خُضوعِ المرأة بالقول، وتكسُّرِها في الكَلام، فقالَ تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)، وقالَ تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.(
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
السبت 4 جمادى الأولى 1434 هـ
الموافق 16 مارس 2013 م