بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (622)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تقدمت بفتوى قبل فترة لدار الإفتاء وذكرتم فيها بأن الحضانة تنتقل من الأم، إذا أسقطتها إلى الجدة أم الأم، ثم إلى الخالة، ثم إلى خالة الأم، ثم إلى عمة الأم، ثم إلى الجدة من جهة الأب، ثم الأب، فما الدليل الشرعي على ذلك؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن الأم أولى بحضانة أولادها الصغار من الأب بالإجماع؛ لما رواه أبو داود (2276) أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمعوا أن الزوجين إذا افترقا، ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح” “الإجماع” (ص24).
ثم تليها الجدة أم الأم عند جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، فقد قالوا: إن الأم إذا كانت معدومة، أو من غير أهل الحضانة، فإن الحضانة تنتقل إلى الجدة أم الأم، ففي حاشية ابن عابدين 559/3: “قوله: (فتنقل للجدة) أي تنتقل الحضانة لمن يلي الأم في الاستحقاق كالجدة…”، وفي نهاية المحتاج: “وإن غابت الأم، أو امتنعت فالحضانة للجدة أم الأم، على الصحيح كما لو ماتت، أو جنت”.
والدليل على ذلك ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن القاسم بن محمد أنه قال: “كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار، فولدت له عاصمًا، ثم إن عمر فارقها، فجاء عمر إلى قباء فوجد ابنه عاصمًا يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه، حتى أتيا أبا بكر الصديق، فقال عمر: ابني، وقالت المرأة ابني، فقال أبو بكر: خل بينها وبينه، فما راجعه عمر “، وقد رضي عمر رضي الله عنه بقضاء أبي بكر رضي الله عنه بحضانة الغلام لجدته، وسلَّم به، وكان رضي الله عنه في خلافته يقضي به ويفتي، وقد كان هذا الحكم إجماعًا؛ إذ لم يعرف له مخالف، قال الإمام مالك – بعد ذكر حديث عاصم بن عمر، وقضاء أبي بكر رضي الله عنه لجدته – : “وهذا الأمر الذي آخذ به في ذلك”.
ثم تنتقل الحضانة بعد الجدة أم الأم إلى الخالة عند المالكية والشافعية في أحد القولين؛ لما رواه البخاريُّ 1084/4 من حديث الْبَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في ابْنَةِ حَمزةَ لِخَالَتِها، وقالَ: ((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ))، وَالْخَالَةَ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ”، ثم بعد ذلك تنتقل إلى خالة الأم ثم إلى عمة الأم عند المالكية؛ لأن خالة الأم خالة وعمة الأم عمة؛ ولأنه لما كانت حضانة الأم مقدمة عن الأب في الحضانة كانت قرابتها كذلك مقدمة، جاء في الشرح الكبير:” (ثُمَّ الْخَالَةُ) الشَّقِيقَةُ أَوْ لِأُمٍّ (ثُمَّ خَالَتُهَا) أَيْ خَالَةُ الْأُمِّ، وَيَلِيهَا عَمَّةُ الْأُمِّ”.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
4/المحرم الحرام/1434هـ
2012/11/18