بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4330)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
وهبَ جدّي قطعةً أرضٍ لأمّي وأُخْتَيْهَا في السبعينياتِ، عندما كُنَّ صغيراتٍ، على أنْ تقسمَ بينهنّ بالتّساوي، وتم إنشاءُ مستندات خاصةٍ بتملكهنّ للأرضِ، ولم يفعَلْن شيئًا فيها غير أنهنّ تبرَّعْنَ مرةً بثمارها، وفي سنة 2001م مرِضتْ أمي مرضًا خطيرًا؛ فأَعْلَمتْ جدي بأنها تركت نصيبها من الأرضِ المذكورةِ لي ولأختِي، وتوفيتْ سنة 2002م بذلكَ المرض، ثم شرعتِ الدولةُ في التخطيطِ وشقّ الطرقِ، ما بينَ سنتيْ 2003 – 2005م، فتمّ فتح طريقين في الأرض المشاعةِ بينَ أمّي وأختيْها، وصدرَ صكّ التعويضِ بأسمائهنّ، واستلمَه جدّي نيابةً عنهنّ، وأعطَى خالتَيَّ ما ينوبهما، وما ينوبُ أمّي أودعهُ في حسابِها؛ ليحفظَ ما ينوبنا فيه، وتنازلَ أبي عن حصتهِ، وجدي عن حصتهِ وحصة جدتي لنا؛ تنفيذًا لرغبةِ أمي، علما أنّ جدّتي كانت مصابةً في تلك الفترة بمرضِ الزهايمر، وبقيتْ على هذه الحال إلى أنْ توفيتْ سنة 2012م، ثم توفي جدي سنة 2020م رحم الله الجميع، فهل هبةُ جدي لبناتهِ صحيحةٌ نافذةٌ؟ وإن كانت صحيحةً، فهل وصيةُ أمي صحيحةٌ نافذةٌ، أو أنّ نصيبها مِن الأرض يقسمُ بين الورثةِ قسمةَ ميراثٍ؟ علمًا بأننا أنفقنا مبلغَ التعويضِ كاملًا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكر، فإن عطيةَ جَدِّك لأمك وأُختيها حالَ حياته هبةٌ منه، والهبة لا تتم إلا بالحيازةِ، وهي تصرف الموهوب له في الهبة تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ” [الرسالة: 117]، وتصرفُهم فيما أُعطُوا من أرض بالتبرع بثمار أشجارها يُعدُّ حوزًا تتم به الهبة، والحيازة في الأرض تكونُ برفع الواهب يده بالكلّية عن الأرضِ الموهوبةِ، مع تصرّفِ الموهوبِ له في الأرض تصرّفًا يدلّ على التملّك حال حياةِ الواهبِ، وأمّا وصيةُ أمِّك فهي وصيةٌ لوارثٍ، والوصية لوارثٍ لا تجوزُ إلا إذا أجازها الورثةُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) [أبوداود: 2870]، وزادَ الدارقطني: (إِلّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ) [سنن الدارقطني: 89]، وما فعله جدُّك من إيداعِ صكّ التعويضِ في حسابِ أمّك يُعدُّ إجازةً منه لوصية أمّك، وابتداء عطيةٍ منه، وأما تصرفهُ في نصيبِ جدتكَ فهو مردودٌ؛ لأنه هبةُ فضوليّ، والمالك حينها كانَ غير مكلفٍ؛ لفقد العقلِ، فلا تعتبرُ هبة الفضولي؛ لأنها تتوقفُ على إجازةِ المالك أو سكوتهِ إن كان مكلفًا.
وعليه؛ فإن ما استلمتَه أنت وأختك من تعويضٍ سُدسُه من حقّ ورثة جدتك، وهذا السدسُ يُؤخذ من تركة جدِّك؛ لأن الضمانَ عليه، فهو المُسلِّط، قال ابن عظوم رحمه الله: “وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْبِدَايَةَ فِي الضَّمَانِ بِالْمُسَلِّطِ” [الأجوبة: 3/6]، وكذلك ما بقي من أرضٍ بعد شق الطرقِ سُدُسُه من حقّ ورثة جدتكَ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//جمادى الأولى//1442هـ
21//12//2020م