بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3918)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفيت امرأة عن زوج وبنت وأخت، وكانت تمتلك عقارات في المشاع وعقارات مؤجرة، ثم توفي زوجها عن ابنتهما وخمسة أشقاء وشقيقتين، فتنازل أربعة من أشقائه وشقيقتاه عن نصيبهم من إرثه لابنته، وتنازلهم يشمل بيته الذي تسكنه الابنة، علمًا بأن الابنة لم تحز ما تنازل عنه أعمامها وعمتاها من العقارات غير المؤجرة؛ لأنها كانت على الشيوع، ولم يكن هناك تفاهم بين الملاك على بيعها، غير أنها استلمت جزءًا من إيجارات العقارات الأخرى المؤجرة، وسعت في حوز العقارات المؤجرة وبقية غير المؤجرة، ثم توفيت الابنة، وكانت قد تنازلت عن العقارات غير المؤجرة لابنة خالها، ولم تحز ابنة خالها هذه العقارات، ولم تَجِدَّ في طلب حوزها حتى وفاة الواهبة، فما حكم الشرع في تنازلها لابنة خالها؟ وهل يعد تنازل أعمامِها وعمتَيها باطلا؛ لأنها لم تحز هذه العقارات؟ علما بأن أحد أعمامها المتنازلين توفي قبلها، وبعد قبضها لجزء الإيجارات.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ تنازلَ الأعمام والعمتين عن البيت الذي تسكنه ابنة أخيهم، وعن نصيبهم من تركة أخيهم من العقارات المؤجرة وغير المؤجرة، تنازلٌ صحيحٌ ماضٍ؛ لحصول الحيازة منها بالسكنى في المنزل، وبقبض الإيجارات في العقارات المؤجرة، وبالجَدِّ في طلب الحيازة في العقارات غير المؤجرة وبقية العقارات المؤجرة، مما لم تقبض إيجاراته، والجَدُّ في طلب الحيازة ينزل منزلة الحيازة، قال الدردير رحمه الله عاطفا على ما تصح به الحيازة: “(أَوْ جَدَّ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فِيهِ) أَيْ فِي قَبْضِ الْهِبَةِ وَالْوَاهِبُ يُسَوِّفُهُ حَتَّى مَاتَ (أَوْ) جَدَّ (فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ) أَيْ شَاهِدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ حِينَ أَنْكَرَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ شَاهِدَيْنِ وَاحْتَاجَا لِلتَّزْكِيَةِ فَجَدَّ فِي تَزْكِيَتِهِمَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَأْخُذُهَا إذَا زَكَّاهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِتَنْزِيلِ الْجَدِّ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ فَالْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ الْجِنْسُ” [الشرح الكبير: 103/4]، وللعم الذي توفي قبلها حكم ما لإخوته، وأما تنازلها عن العقارات التي على الشيوع غير المؤجرة لابنة خالها، فتنازلٌ باطلٌ؛ لعدم حصول الحيازة من ابنة خالها، وهي شرطٌ لصحة التنازلات، فترجع ميراثًا بعد أن ماتت، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ”[الرسالة:117]، والحيازة كما قال أبو الحسن المنوفي رحمه الله: “هِيَ وَضْعُ اليَدِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ؛ بِالْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ، وَالْهَدْمِ، وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ” [كفاية الطالب الرباني: 2/482]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28/شوال/1440هـ
01/07/2019م