طلب فتوى
الغصب والتعديالفتاوىالمعاملاتفتاوى الثوارقضايا معاصرة

عاقبة الظلم والتعدي على الحرمات والمال العام وخيمة

سكوت أصحاب القرار وأولياء الأمور في الأجهزة الأمنية عن الظالمين يعدُّ رضا بظلمهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3917)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحن جماعة من المنتسبين لبعض كتائب الثوار، الذين كان لهم وجود وحضور منذ تأسيس الكتيبة إلى وقتنا هذا، حيث مرّت الكتيبة كغيرها من المكونات المسلحة في البلاد بمراحل شتى، الأمر الذي أتاح الفرصة لبعض المنتسبين من ضعاف النفوس فيها أن يستغلوا نفوذهم، بما يعود عليهم بالنفع الشخصي، وعلى عامة الناس بالظلم والتضييق، كاستباحة المعنيِّين للمال العام، على شكل اعتمادات وتسهيلات مغلفة غير مشروعة، وما فعلوه من انتهاك لحرمة مؤسسات الدولة، وتآمرهم على سلطان القضاء، فهل من حقنا أن نشرع في إصلاح وتلافي الأخطاء التي وقعت في الكتيبة نتيجة تقصيرنا، بما قد يترتب عليه اصطدام بالنفعيّين من الكتيبة، وقد يؤدي إلى قتل واعتداء علينا، ويحتج بعض الخيرين لسكوتهم بشق الصف وشماتة الحاقدين تارة، وعدم جدوى الكلام تارة أخرى؟ علمًا بأن موارد الكتيبة باتت أغلبها في يدِ من ذُكِرَ.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، وما أقدار الله جل وعلا التي تجري في بلادنا إلا من جملة ما ذكر، حيث يجهل كثير من الناس ما ساقه الله تعالى لهم من كرامة، إذ اصطفاهم واجتباهم ليكونوا مستعمَلين في نصرة الحق وأهله، وإقامة العدالة المنشودة، وما الكتيبة التي ذكرها السائل وغيرها كثير، إلا ممن ابتلاهم الله تعالى بفتنة المال والنفوذ والسلطان، فصدق منهم أقوام وخان آخرون، فلا يجوز لأعضاء هذه الكتيبة ممن أسهم في تحرير البلاد وبسط الأمن فيها، أن ينقلب على عقبيه، ويُقدِم على مثل هذه الأفعال الشنيعة، ويُعَدُّ هذا مِن أسبابِ خذلان الله تعالى لنا، وهو الذي أوصل بلادنا إلى ما نحن فيه من الشدة والحروب وعدم الأمن، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].

وليعلم كلُّ مَن أقدم على مثل هذه الأفعال المحرمة، أن عاقبة الظلم والتعدي على الحرمات وخيمةٌ؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان:19]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) [البخاري:2315]، وأنهم يتاجرون بأقواتِ الناسِ وأرزاقهم، فلا يأكلونَ في بطونهم إلا نارًا تلظّى، وأوجاعًا وأمراضًا تتقوّى، ولا يبارَك لهم في مال ولا عافيةِ بدن؛ لأنهم يأكلون أموالَ الفقراء والضعفاء والأرامل واليتامى والنساء، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10]، وكلما ازداد على هؤلاء المالُ الحرامُ، ازدادَ جَشعُهم، ونُزعت منهم البركةُ، وصاروا كالذي يأكلُ ولا يشبعُ، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) [مسلم: 1052].

وعليه؛ فإننا نوجه النصيحة والإرشاد للخيرين من أعضاء هذه الكتيبة وغيرهم، بأن يتولوا زمام المبادرة، ويتداركوا ما كان صدر منهم من تقصير وتفريط، وعلى الخيرين منهم وكذلك الجهات الأمنية، تحمُّل مسؤولياتهم، والضرب بيدٍ مِن حديدٍ على أمثال هؤلاء من المفسدين، وعلى يد كل من ينهب المال العام بما يرونه رادعا لهم، مِن عقوباتٍ مناسبة لهذه الأفعال المحرمة؛ لأن ضرر مثل هؤلاء المفسدين يعم الجميع، ولا يختص بالمفسدين وحدهم بسوء عاقبتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) [البخاري: 2361].

فالواجب عدم السكوت أو التهاون مع مثل هذه الأفعال، وسكوت الخيرين وأصحاب القرار وأولياء الأمور في الأجهزة الأمنية عامة عن هؤلاء الظالمين، يعدُّ رضا بظلمهم، وركونًا إليهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود:113]، والإصلاح قد لا يكون دفعة واحدة، ولكن الأهم السعي فيه والمجاهدة عليه، وبقاءُ الخيرين في الكتيبة، وتكثيرُ سواد أهل الخير والسداد فيها مطلوبٌ شرعًا؛ لأن فيه مزاحمة للباطل، وتقليلا للشر الحاصل، الذي لو حاول غيرهم من خارج الكتيبة دفعه لجر إلى سفك دماء كثيرةٍ، وفتنةٍ عظيمة، أما ما ذكرتم من الخوف على النفس والأهل والمال، فلا يقارَن بالضرر العام المحقق، الناجم عن أفعال هؤلاء المفسدين، ولا يبيح لكم السكوت عن الحق، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو متعين وواجب على أصحاب القرار الخيرين في الكتيبة، وعلى غيرهم من المسؤولين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاَللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا) [أبوداود:4366]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ) [الترمذي:2169]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

27/شوال/1440هـ

30/06/2019م 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق