طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

هل تكفي كفارة اليمين في عدم وقوع الطلاق المعلق؟

هل يقع الطلاق بحصول المعلق عليه؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4892)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

حصلتْ مشاجرات عديدة بيني وبين زوجي، كان أوَّلُها عام 2010م، وكانت قد وُجِّهَتْ إليَّ بطاقةُ دعوةٍ مكتوبٌ عليها: حرم السيد فلان، فكتب زوجي بعدها: “سابقا”، ثم في خلاف حصل عام 2021م قال لي: “عليَّ اليمين بالطلاق ثلاثة؛ تمشي لحوشكم قبل نهاية السنة تبدي طالق”، ثم استفتينا شيخا؛ فأفتى بلزوم كفارة يمين، وبناء عليها أوصلني زوجي بنفسه إلى بيت أهلي قبل نهاية السنة، وبعد أشهر عدة حصل شجار آخر، فقال لي في غضب: “برّي طالق طالق”، فانصرفتُ عنه إلى الطابق العلوي، فلحقني وقال: “طالق”، ثم اتصل بأخيه وقال له: “قد طلقتها”، فما هو الحكم الشرعي؟

الجواب:

فإن الطلاق يقع بكتابة لفظه الصريح، ولو لم يُتلفظ به، قال الدردير رحمه الله: “(وَبِالْكِتَابَةِ) لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا (عَازِمًا) عَلَى الطَّلَاقِ بِكِتَابَتِهِ، فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ هِيَ طَالِقٌ” [الشرح الكبير: 2/384]، وكتابةُ الرجل “سابقا” في هذه الواقعة؛ هي من قبيل الكناية الخفية، التي يقع بها الطلاق إن قصده الزوج، قال الدردير رحمه الله: “وَنُوِّيَ فِيهِ: أَيْ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَفِي عَدَدِهِ فِي كُلِّ كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ تُوهِمُ قَصْدَ الطَّلَاقِ، نَحْوَ: اذْهَبِي وَانْصَرِفِي … أَوْ أَنَا لَمْ أَتَزَوَّجْ …، فَإِنِ ادَّعَى عَدَمَ الطَّلَاقِ صُدِّقَ، وَإِنِ ادَّعَى عَدَدًا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ صُدِّقَ” [الشرح الصغير: 2/566]، ولما سئل الزوج عن قصده، قال: إنه أراد التخويف لا الطلاق، وعليه؛ فلا يلزم من كتابته شيء.

وأما قوله: “عليَّ اليمين بالطلاق ثلاثة؛ تمشي لحوشكم قبل نهاية السنة تبدي طالق”؛ فإنه يلزم منه حصول الطلقة التي في قوله: “تبدي طالق” عند حصول المعلق عليه، وهو ذهاب الزوجة لبيت أهلها، روى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه في رجل قال لامرأته: “إِنْ فَعَلَتْ كَذَا أَوْ كَذَا فَهْيَ طَالِقٌ، فَتَفْعَلُهُ، قَالَ: هِيَ [أَيْ: طَلْقَةٌ] وَاحِدَةٌ، وَهْوَ أَحَقُّ بِهَا” [السنن الكبرى: 7/583]، ولا يعد حانثًا في حلفه الأول: “عليَّ اليمين بالطلاق ثلاثة”، ولا تلزمه الطلقات الثلاث؛ لحصول المحلوف عليه، وهو وقوع الطلقة إن هي فعلت، نقل الشيخ عليش عن الأجهوري رحمهما الله قوله: “لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ” [فتح العلي المالك: 2/64].

فهذا اللفظ الذي حلفت به لزمتك به طلقة واحدة، ولا عبرة بما أُفتِيتَ به من كفارة اليمين، واسترسالُك على الزوجة بعد وقوع الطلاق، جهلا منك بوقوعه؛ يعدّ ترجيعا على ما ذهب إليه ابن وهب رحمه الله من علماء المالكيّة، وقولُك في المرّة الأخرى وأنت غاضب “طالق طالق” دون أن تنوي بالتّكرار شيئا؛ تلزمك به طلقتان، تمام الثلاث، وعليه؛ فتكون الزوجة قد بانت منك بينونة كبرى، ولا تحلّ لك إلا بعد زوج آخر، قال سبحانه وتعالى: ﴿‌فَإِن ‌طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ﴾ [البقرة: 230]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

28//ذي القعدة//1443هـ

28//06//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق