بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4057)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
رجل يملك مجموعة أراضٍ، وهب منها قطعتي أرض لأبنائه الذكور بمناسبة الطهور، وذلك بقوله: (وهبتُ السانية الشرقية … لأولادي الذكور وما يزاد من الذكور صدقة من والدهم من جانب الطهور… وكذلك الربع من أرض شوية…) ولم يزد له بعد الهبة إلا بنت واحدة، وبعد أن كبر الأولاد استغلوا إحدى القطعتين الموهوبتين لهم سكنًا وزراعة، في حياة والدهم وإلى هذا اليوم، وأما القطعة الثانية فهي من ضمن أرض أبيهم، ولم يتم فصلها عنها، واشتغلوا في الأرض مجتمعة تحت إشراف والدهم، بزراعة الحبوب والرعي، ولا تزال الأرض بحوزتهم إلى اليوم، وكان الأب قد توفي سنة 1977م، وتوفي اثنان من أبنائه سنة 2018/2019، ويريد الورثة الآن قسمة ميراث الأب الواهب، فهل للبنات نصيب في الأرض الموهوبة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد اختلف أهل المذهب في قول من يقول: (تصدقت على أولادي الذكور وما يزاد من الذكور)، هل يعدّ من قبيل الحبس أم الصدقة، ويشهد على أنه من قبيل الحبس قول سحنون: “وَقالَ بَعضُ رِجَالِ مَالِك كُلُّ حبسٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَانَتْ عَنْ مَجْهُولٍ -مَنْ يَأْتِي- فَهُوَ الْحَبْسُ الْمَوْقُوفُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: … عَلَى وَلَدِي وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي بَعْدَهُمْ” [المدونة:4/420]. ويشهد على أنه صدقة ما فِي الْمتيطِيَّة فِي بَاب الصَّدَقَة: “مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَعَلَى مَنْ يُولَدُ لِلمُتَصِدِّقِ جَازَ، … فَإِن مَاتَ الْأَبُ … انْطَلَقَتْ يَدُ الابْنِ فِي الصَّدَقَةِ” [البهجة:2/519].
والذي يظهر أن الخلاف مبناه على القرائن والأعراف التي ترجح الحمل على أحدهما؛ الصدقةِ أو الحبس، قال ابن عبد السلام بعد نقله للخلاف في المسألة: “وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَدْلُولِ الْعُرْفِ” [مواهب الجليل:6/28]، وقولُ المتصدق في هذه الوثيقة (وَهبتُ) و(تصدقْتُ) قرينةٌ ترجّح جانب الحمل على الصدقة؛ لأن العادة في الأحباس ألَّا يقول المحبّس فيها (وهبتُ)، وإنما يقول (حبست) و(تصدقتُ)، وعليه؛ فإنّ ما تصدّق به الواهب على أولاده الموجودين في حياته يحتاج إلى الحيازة، فما استغلّه الأبناء بالزراعة والبناء من قطعتي الأرض فقد تم فيه الحوز، ويختصون به دون سائر الورثة، وما عدا ذلك من الأراضي التي كانوا يعملون فيها لأبيهم لم تتمّ حيازتها، فهي ميراث، وحيث إن المتصدّق لم ينجب أحدًا من الذكور بعد أن بتّل هذه الصدقة فقوله في الوثيقة: (وما يزادُ من الذكورِ) صار لغوًا، ولم يبقَ له أثرٌ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04// ربيع الآخر// 1441هـ
01// 12// 2019م