بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4406)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي جدي عن ابنةٍ [وهي أمي] وابني أخ، ورثت أمي نصف قطعة أرض، واشترت ربعًا، نصيب أحد ابني عمها، وقامت بغرس كامل الأرض زيتونًا دون إذن صاحب الربع وعلمه، ثم حبست نصيبها من الأرض وهو ثلاثة أرباعها، على جامع الشيخ عبد السلام الأسمر، فقمنا باستئجاره من إدارة أوقاف الشيخ عبد السلام -كما بالعقد المرفق – عشرون دينارا في السنة، فهل لورثة الشريك الحق في الزيتون الواقع بأرضهم، علما بأن الأرض لا تزال مشتركة على الشيوع؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجوز وقف جزء مشترك، من عقار مشاع لم يقسم، ويجبر الواقف على القسمة إن أرادها الشريك؛ رفعا للضرر على الشريك، قال الخرشي: “وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ الْقَسْمَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ” [حاشية العدوي: 2/264]، فإن طلب الشريك القسم أجبر الواقف عليه، وما وقع من غرس في حصة الشريك من غير إذنه ولا علمه، بأن كان الشريك غائبًا، أو حاضرًا ولا عِلْم له، فإن الشريك يخُيِّرَ الغارسَ بين أن يعطى له قيمة غرسه مقلوعاً، وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله، ويكون له من الكراء على الغارس بقدر ما انتفع به من حصة شريكه، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَمَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ كَانَ غَائِباً، فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الْأَرْضَ، فَإِنْ صَارَ لِلْبَانِي مَا بَنَاهُ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الْأَرْضِ كَانَ لَهُ بُنْيَانُهُ، وَكَانَ عَلَيهِ مِنَ الكِرَاءِ بِمِقْدَارِ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ صَارَ البُنْيَانُ أَوْ الْغَرْسُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، خَيْرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطَى لَهُ قِيمَةُ بُنْيَانِهِ مَنْقُوضاً، أَوْ قِيمَةُ غَرْسِهِ مَقْلُوعاً، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ نُقُضَهُ بِنَقْلِهِ، وَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْكِرَاءِ عَلَى الْبَانِي بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ” [الكافي: 1/489].
وينبغي على ناظرِ الوقفِ –وهو هنا إدارة أوقاف الشيخ عبد السلام الأسمر– عند تأجيره للوقف، ألا يُؤجرَه بإيجارٍ رمزي فيه محاباة؛ بل يجب عليه أن يؤجره بأفضل سعر ممكن، ويرجع في تقديرها إلى أهل الخبرة، قال القرافي رحمه الله: “وَعَلَى النَّاظِرِ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمَنْ شَاءَ، مِنْ طَوِيلِ الْمُدَّةِ وَقَصِيرِهَا، بِمَا يَرَاهُ مِنَ الْأُجْرَةِ الْمُعَجّلَةِ أَوِ الْمُؤَجَّلَةِ، بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا فَوْقَهَا” [الذخيرة:423/10].
وعليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، من أن الغارس في الأرض المشتركة غرس بدون إذن ورضا شريكه، فإن الغارس وهم المرأة أو ورثتها الذين غرسوا في الربع غير الموقوف بغير إذن الشريك يخيرون بين قلع غرسهم ونقله أو أخذ قيمته مقلوعا، وعليهم الكراء طيلة مدة الانتفاع بغرسهم في ربع الشريك، وأما فيما يتعلق بالوقف فالثلاثة أرباع الأرض سالمة بغرسها للموقوف عليه، وإيجاراها ينبغي أن يكون بأجرة الوقت، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17//رجب//1442هـ
01//03//2021م