بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4886)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا مريض منذ حوالي عشرين سنة، بمرض نفسي اكتئابي مزمن، يؤدي إلى تغير في السلوك بالانفعال والغضب، مع الميل للعنف، وعدم التحكم في السلوك، كما بالتقرير الطبي المرفق، خاصة عند تأخر العلاج، كما هو حالي عند الطلقة الأولى، وتكرر مني التلفظ بالطلاق ثلاث مرات، وفي كل مرة أكون في حالة غضب شديد، ولكن أدرك ما وقع، وأعي ما أتلفظ به، فماذا يلزمني؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ العقل هو مناطُ التكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعِي ما يقول، ويقصدُ ما تكلمَ به، فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلقُ شديدَ المرض وقت الطلاق، إلى درجة لا يعي فيها ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه صار في حكم المجنون فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يَفِيقَ) [الترمذي: 142]، وفي المدونة: “قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ رحمه الله: مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقِلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلُّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ” [2/84].
عليه؛ فإن كان الزوج عند إيقاعه للطلاق واعيا ومدركًا لما يقول، غير فاقد لعقله، فتلزمه الطلقات الثلاث، وتحرم عليه زوجته، وتكون قد بانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن كان وقت وقوع إحدى الطلَقَات غير مالك لأمر نفسه، بأن كان في حكم المكره، بسبب المرض حسبما يفيده تقرير الطبيب المختص، أو كان فاقدا للوعي بالكلية لا يعلم ما يقول؛ فلا يلزم المكره ولا فاقد العقل طلاق والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ذي القعدة//1443هـ
28//06//2022م