طلب فتوى
الحدود و الجناياتالصلحالفتاوىالمعاملات

هل يجوز للوليّ على القصَّرِ العفوُ مجانًا أو بأقلّ مِن الديةِ؟

هل يجوز تقسيط الدية إذا تم الصلح على تخفيف قيمتها؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4885)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

قاد ابني وعمره ست عشرة سنة سيارتي دون إذني، فارتكب حادثًا مروريًّا، أدى لوفاة رجل وزوجته، وحيث إن قيمة الدية الشرعية للرجل والمرأة معًا كبيرة، لا أستطيع تحملها بنفسي، ولا توجد عاقلة لتتحمل معي؛ فهل يحق لوالدَي المتوفيين التنازل عن جزء من الدية تخفيفًا عليّ، وكذلك تقسيطها على سنوات؟ علما أن الرجل وزوجته المتوفيين تركا طفلا عمره سنة ونصف.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فليس للوليّ على القصَّرِ العفوُ مجانًا أو بأقلّ مِن الديةِ، إلّا لمصلحتهم؛ كعسرِهم أو عسرِ الجاني، قال الدّسوقي رحمه الله: “وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَليِّ أَن يَعْفُوَ عَنِ الْجِنَايَةِ خَطَأً مجَّانًا أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنَ الدِّيَةِ إِلَّا لِعُسْرٍ مِنَ الْجَانِي أَوْ لِعُسْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَاحْتِيَاجِهِ” [حاشية الدسوقي: 3/301]، وقال أشهب رحمه الله: “وَأَمّا إِن كَانَتْ الدّيَةُ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَيَجُوزُ لِلْوَلِيّ أَن يَتَعَجَّلَ مِنَ الْعَاقِلَةِ لِلصَّبِيّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَفِيهِ لَهُ مَصْلَحَةٌ وَإِن لَمْ يَكُنْ مَبْلَغَ الدّيَةِ إِذَا خِيفَ فِي اتّبَاعِهِمْ بِهِ ضَيَاعُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَامِلاً مُؤَجَّلاً أَحْظَى لِلصَّبِيِّ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ” [النّوادر والزّيادات: 14/114].

عليه؛ فيجوز لولي الطفل اليتيم أن يصالح الجاني على أقلّ من الدّية الشّرعية، إذا خشي ضياع حقه بمطالبة عاقلة الجاني، أو لاحتياج الطفل للمال، ويكون الصلح مع الجاني؛ لأنّ العاقلة لا تحمل صلحًا عند جمهور العلماء، وأمّا أب المقتول وأمه فيجوز لهما العفو مجانا عن نصيبيهما، أو الصلح عنه بمبلغ يسير،

وإذا تمّ الصلح بين الطّرفين على إعطاء جزء من الدية، فلا يجوز تقسيطها، وإنما تدفع مرة واحدة في مجلس الاتفاق؛ لأن هذه سنة الصلح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أشار إليه بأن يضع شطر دينه عن دائنه: (قُمْ فَاقْضِهِ) [البخاري: 457]، ولما يلزم في التأخير من فسخ ما في الذمة في مؤخر، أو الصرف المؤخّر إن كانت نقودا عن ذهب، قال الدّسوقي رحمه الله: “وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ بِحَالٍّ مُعَجَّلٍ فَيَجُوزُ أَخْذُ ذَهَبٍ مُعَجَّلٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ، وَكَذَا أَخْذُ أَحَدِهِمَا مُعَجَّلًا عَنْ إبِلٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْجِيلِ الدَّفْعُ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُلُولَ مِنْ غَيْرِ تَعْجِيلٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ دَيْنًا فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ” [الشرح الكبير: 4/263]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدّور

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرّحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

26//ذي القعدة//1443هـ

26//06//2022م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق