طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبة

هل يمضي تنازل الورثة في ملك مورثهم في المعلوم والمجهول؟

هل يحقّ للمتنازل عن حقه المحاصصة مع باقي الورثة فيما ظهر من أملاكٍ للمتوفى؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4884)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

لما توفي جدنا الأعلى، واقتسم ورثتُه تركتَه من مال وعقار؛ قيدوا ذلك في وثيقة، ومما جاء فيها: “وتنازلت البنات المذكورات على باقي العقارات التي كانت ملكا لمورثهم … المعروفة وغير المعروفة، ولا حق لهن في مطالبة أيّ حق عدا … [الحصص التي جاءت من نصيبهن عند القسمة]”، وقد وقّعت البناتُ على هذه الوثيقة، وشهد على ذلك الشهود، ثم بعد عشرين سنة تقريبًا؛ تبين أن للمتوفى أرضًا يملكها، لم يكن الورثة على علم بها، فهل يحق للبنات المحاصصة فيها، أم يلزمهنّ التنازلُ السابقُ منهنّ عن كل ملكٍ للمتوفى، معلومٍ وغير معلوم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن كانت البنات على علمٍ بنصّ الوثيقة، وأنّ التنازل الوارد فيها يتناول الأملاك المعروفة وغير المعروفة؛ ولم يكن هذا التنازل مأخوذًا منهن بسيف الحياءِ، كما يفعله بعض الإخوة مع أخواتهم، بل كان بمحض إرادتهنّ؛ فإن التنازل لازم لهن؛ لأنه من قبيل الهبة، ولا يشترط في الهبة العلمُ بالموهوب، فمن وهب مالًا أو عقارًا مجهولًا لا يعلم قدره؛ صحت الهبةُ، ولزمه تسليمه إلى الموهوب له، ولو كان يظنّ الموهوبَ يسيرًا، فتبين أنه كثيرٌ، وهذا قول ابن عبد الحكم، وهو المعتمد عند المالكية، وقال ابن القاسم بعدم لزومها، وبجواز رجوع الواهب في هبته، حيث خالفت ظنه بكثير، وهو ضعيف، قال الدردير رحمه الله: “(وَصَحَّتْ) أَيْ الْهِبَةُ (فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ) لِلْوَاهِبِ (يُنْقَلُ) أَيْ يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعاً … (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) … (وَإِنْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ الْقَابِلُ لِلنَّقْلِ شَرْعاً (مَجْهُولاً) أَيْ: مَجْهُولَ الْعَيْنِ، أَوِ الْقَدْرِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ خَالَفَ ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ عَلَى التَّحْقِيقِ” قال الدسوقي رحمه الله: “أَيْ كَمَا إِذَا وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ فُلَانٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَسِيرٌ فَإِذَا هُوَ كَثِيرٌ، أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا فِي جَيْبِهِ ظَانّاً أَنَّهُ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَدَ فِيهِ عَشْرَةَ مَحَابِيبَ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: لَهُ رَدُّ عَطِيَّتِهِ، وَهْوَ ضَعِيفٌ” [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/99].

عليه؛ فإن كانت البناتُ عالماتٍ بنصّ الوثيقة، ولم يكرههن أحدٌ على التنازل؛ فإن هذا التنازل لازمٌ لهنّ، ولو تبين أن الأملاكَ غيرَ المعروفةِ كثيرةٌ، ولا حق لهنَّ في محاصصة باقي الورثة فيما ظهر من أملاكٍ للمتوفى، لم يكونوا على علمٍ بها.

أما إن كنّ غيرَ عالمات بنصّ الوثيقة، وكان توقيعهنّ عليها دون تحقّق منهن واطلاع على بنود الوثيقة، كعادةِ كثيرٍ من الناس؛ أو كانت القسمة جرت على عادة كثير من أهل البادية أن المرأة لا تُوَرَّثُ في العقارات؛ فهذا من عمل الجاهلية، ولا يلزمهن التنازل إن كان الأمر كذلك، ويحقّ لهن المحاصصة مع باقي الورثة فيما ظهر من أملاكٍ للمتوفى، لم يكونوا على علم بها، أو في أملاك أخرى حُرمن منها وأُخذت منهنّ بسيف الحياء، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

22//ذي القعدة//1443هـ

22//06//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق