بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3743)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توجد مقبرة في مدينة الزاوية، لم يدفن فيها منذ أ كثر من عشرين سنة، وقد أعطت الدولة جزءًا يسيرًا من المقبرة لشخص، بنى فيه عمارةً لم تكتمل منذ خمسة عشر عاما، فهل يجوز الاستفادة من المقبرة ببناء مسجد؟ وهل يجوز ضم العمارة للمسجد؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن لا يُتصرف في المقبرة بأي نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبس على صاحبه ما دامَ فيه، ويحرم نبشه، مادام به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وذلكَ أنّ العلماءَ رحمة الله عليهم قد اتفَقوا علَى أَنّ الْمَوْضعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِن عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ” [المدخل:2/18]، وقال الدردير رحمه الله: “(وَلاَ يُنبَشُ) أَيْ: يَحْرُمُ (مَادَامَ) الْمَيِّتُ أَيْ: مُدَّةَ ظَنِّ دَوَامِ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِهِ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنبِ (بِهِ) أَي: فِيهِ” [الشرح الكبير على مختصر خليل:1/428]، ولأن فيه إيذاءً للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَـكَسْرِهِ حَيًّا) [أبوداود:3207].
عليه؛ فلا يجوز لكم استغلال أرض هذه المقبرة ببناء مسجد عليها، إلا إذا فنيت عظام الموتى، ولم يبق للعظام أثر بأن صارت ترابًا، والمعروف عند أهل الخبرة أن المدة المذكورة في السؤال لا تكفي لفناء العظام، فإذا تحققتم مِن فنائها بالاستعانة بأهل الخبرة والجهات المختصة، فيجوز بناء مسجد عليها؛ وضم العمارة للمسجد؛ لأن أصل بنائها يعد غير جائز، قال الدردير رحمه الله في كلامه على أحكام نبش القبر: “إذَا عُلِمَ أَنَّ الأَرْضَ أَكَلَتْهُ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ، فَإِنَّهُ يُنْبَشُ؛ لَكِنْ لِلدَّفْنِ، أَو اتِّخَاذِ مَحَلِّهَا مَسْجِدًا، لا لِلزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ” [الشرح الصغير:1/578]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09/ جمادى الأولى/ 1440هـ
15/ 01/ 2019م