بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4068)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أَوقفَ وحبسَ الحاج (م) حال حياته على أولاده الذكور، ومن سيأتي من أبنائه الذكور، إن قدر الله له، وذلك دون الإناث، وعلى أبناء أبنائهم الذكور دون الإناث، حسب ما ورد في وثيقة المحكمة الشرعية المرفقة، وفي آخرها: (ولما أن تأمل الوكيل المشار إليه [وكيل الحاكم الشرعي الشيخ العالم الحاج ميلاد أفندي الشويرف] وعلم ما به من الخلاف الجاري في النازلة بين الإمام الأعظم وبين الإمام الثاني وجميع الأصحاب، وأن العمل جرى بقول الإمام الثاني وبقية الأصحاب بصحة الحبس ولزومه ولو بغير تسجيل ولا حكم حاكم بصحته في المشاع وغيره، حكم بصحة الحبس المذكور ولزومه في خصوصه وعمومه، وحكم ببطلان كل حجة تنافي صحة الوقف ولزومه من شيوع وعدم تسجيل وغيرهما، حذرًا من إبطال غير حاضر، وَرَفَعَ الخلاف فيه من كل وجه يعتريه … حكما وأمرًا شرعيين بالتماس شرعي، وحرر في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف 1323هـ)، السؤال: ما حكم الحبس المذكور؟ وكيف يقسم؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ)” [المدونة: 4/423]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي: 5/88]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ، ما لم يحكم بصحته حاكم بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق الشيخ الطاهر الزاوي، التي أيدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م، ونصه: “بُطْلَانُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ صُدُورِ قَانُونِ الْإِلْغَاءِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ …”.
عليه؛ فإنْ كان الواقع ما جاء في السؤال، فإنّ هذا الحبس على الذكور دون الإناث ماضٍ على ما شرطه الواقف، وذلك لصدور حكم قضائي بصحته قبل صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، بإلغاء هذا النوع من الأحباس؛ لأن الحبس على الذكور دون الإناث فيه خلاف قوي بين الفقهاء في جوازه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، كما جاء في قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية رقم (2) لسنة 1435هـ 2014م، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25// ربيع الآخر// 1441هـ
22// 12// 2019م