طلب فتوى
الحدود و الجناياتالصومالعباداتالفتاوىالقرضالمعاملات

أسئلة في كفارة القتل الخطأ والصيام وسداد الديون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4067)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية الأسئلة التالية:

السؤال الأول: شخص عليه كفارة القتل الخطأ، أجّل الصوم حتى مرض، ومات خارج البلاد تحت العلاج، وكان يتصل بزوجته قبل وفاته، ويخبرها أنه بمجرد عودته من رحلة العلاج سوف يصوم، فهل تصوم عنه زوجته أو أحد من أقاربه؟ وهل يجوز الإطعام عنه؟ وكيف يكون؟ مع أننا لا نعلم إذا كان تأجيله بسبب المرض أم التسويف.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن من مات وعليه صيام من كفارة أو غيرها لا يصوم عنه أحدٌ، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ … وَأَمَّا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ فَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَقَالَ مالك ما تقدم ذكره لا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قَالَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَرُوِيَ مثل قول مالك عن بن عباس وبن عمر”[الاستذكار: 3/340]، ولا يُطعم عنه كذلك في صيام الكفارة؛ لأن الإطعام ليس من خصال كفارة قتل الخطأ، قال تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُواْ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 91]، ومن العلماء من يرى جواز الصيام عن الميت، فللسائل الأخذ بقوله إن رغب، قال النووي رحمه الله:” اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ غَيْرُهُ هَلْ يُقْضَى عَنْهُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَيِّتٍ صَوْمٌ أَصْلًا وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْهُ وَيَبْرَأُ بِهِ الْمَيِّتُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِطْعَامٍ عَنْهُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ مُحَقِّقُو أَصْحَابِنَا الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ … وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الصَّوْمُ عَنْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنَ السَّلَفِ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ” [شرح صحيح مسلم: 8/26،25]، والله أعلم.

 

السؤال الثاني: فتاة عمرها 22 عامًا، ومنذ بلوغها تشتكي من وجع في المعدة، وأحيانا تقيء ما في جوفها من الألم، الأمر الذي لم يمكنها من الصوم أغلب الأحيان، مع أنها كانت تجاهد نفسها لتصوم، وهي ضعيفة هزيلة، ولكن تحسن حالها الآن بفضل الله، وهي قلقة من الأيام التي أفطرت فيها بسبب المرض، وتحاول القضاء، ولكن لم تعد تعرف عدد الأيام التي يجب عليها قضاؤها، فماذا تفعل إذا استطاعت صوم القضاء؟ وكيف تحسب الأيام؟ وماذا تفعل إذا عاودها المرض؟ هل تطعم عما يجب عليها قضاؤه؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالواجب عليها الاجتهاد في تحري عدد الأيام التي أفطرتها للمرض قدر الإمكان، حتى تتقين أو يغلب على ظنها أنها أحصت جميع أيام فطرها، فإن شكّت هل أفطرت خمسة أيام أم ستة، قضت ستة أيام وهكذا، قال ميارة: “الشك في النقصان كتحققه، ومن ثم لو شك أصلى ثلاثا أم أربعا؟ أتى برابعة … وهل ظن الكمال كذلك أم لا؟ قولان، وهي قاعدة: الذمة عامرة فلا تبرأ إلا بيقين، ومنها: الشك في إخراج ما عليه من الزكاة، والكفارة والهدى، وقضاء رمضان”[شرح المنهج: 1/427]، فإن عاودها المرض ولم تستطع الصيام فلا تطعم، وإنما تنتظر برءها، فإن برئت قضت صيام ما لم تصمه من الأيام، وإن أيست من البرء أطعمت عن كل يوم مدًّا فديةً عن الصيام، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) [البقرة:184]، ولها أن تراعي حالتها الصحية فيما يتعلق بتعجيل القضاء، فيجوز لها أن تفرق القضاء ولو على سنوات بحيث لا تنتكس؛ لأن القضاء لا يجب أن يكون في نفس العام لمن لا قدرة له عليه، والله أعلم.

 

السؤال الثالث: أقرض بعض الأشخاص مالًا لأناس، وعندما حل موعد السداد ماطل المدينون، ثم أوضحوا أنهم لن يسددوا الدين، فاحتسب أصحاب المال مالهم صدقة عنهم وعن أسرهم، فهل تقبل منهم صدقة؟ وهل يدخلون في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَيْنِ صَدَقَةً)، مع العلم أنهم احتسبوه صدقة لعلمهم بأنهم لن يكونوا قادرين على استرجاعه، فما الحكم لو احتسب الشخص دينه صدقة، ورضي بقضاء الله، وعفا عن المدين، ولو احتسبه صدقة ولكن لم يعف عن المدين؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن للدائن بكل يوم قبل أن يحل الدين مثل دينه صدقة، فإذا حل الدين وكان المدين معسرًا عن السداد، فأنظره الدائن أو عفا عنه بحط الدين، كان له بكل يوم ينظره فيه مِثلي دينه صدقة، وأظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ)[مسلم: 3014]، وجاء في الحديث عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ) قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ) قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: (لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ) [مسند الإمام أحمد: 22537]، وهذا في المدين المعسر، أما المدين المليء الممتنع عن السداد فامتناعه ظلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ)[مسلم: 1564].

عليه؛ فإن الدائن المنظر يدخل في الأجر المذكور، وإن كان إنظاره لعلمه بعدم قدرته على استرجاع دينه، سواء عفا عن المدين أو لم يعفُ، والصدقة إنما تبلغ مبلغها وتبرئ ذمة المدين إذا كانت عن طيب نفس ورضا من الدائن، أما إذا كان الدائن غير راض وسمَّى ما لم يقدر على تحصيله صدقة ولم يبرئ ذمة المدين من الدين ويعف عنه، فإن ذمة المدين لا تزال عامرة والصدقة لم تتم؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، فعلى الدائن أن يحزم أمره فيتصدق بالمال ويعفو عن المدين طالبا أجر الآخرة، أو يترك وحقه لا يزال قائما، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

18// ربيع الآخر// 1441 هجرية

15// 12// 2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق