الواجب الشرعي تجاه ما يحدث في بلادنا (ليبيا) في الوقت الراهن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2059)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
لا يخفى على أي مواطن ما تمر به بلادنا من أحداثٍ واضطرابات، وخروقات للمواقع السيادية والخدمية، ألحق أضرارًا عامة بجميع المواطنين، وأفسد مصادر الطاقة، وعطَّل كثيرًا من المصالح وفوَّتها، فما هو الواجب الشرعي تجاه هذه الاضطرابات، وما حكم تعطيل هذه المصالح بسبب مطالب شخصية أو قبلية؛ كتوظيف أو تحسين أوضاع، وما هو دور قيادات عملية فجر ليبيا في فرض النظام والتعاون مع الأجهزة الأمنية، ومنع التلاعب بالمصالح العليا للبلاد؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما تتعرضُ له البلاد من أزماتٍ واحتقان، وقصورٍ في الأداء، وتقاعسٍ عن الواجبات، وتعدٍّ على مؤسساتها، ظلمٌ كبير، وإثمٌ غليظ، مُستنكَرٌ في الشرعِ والعرفِ والطبع، لا يرضاه صاحبُ دين، ولا مَن له في الوطنية نصيب، فعلى كل من وَلَّاهم الله وظيفةً تَحَمُّلَ مسؤولياتهم بالقيام بها على أكمل وجه، وعليهم أداء أمانتهم دون تهاون ولا تطفيف، فإن الله تعالى يقول: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}، ويقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]، وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما مِن والٍ يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاشٌّ لهم، إلاّ حرّم الله عليه الجنة”.
وعلى الجهات الأمنية بالتعاون مع قيادات الثوار اتخاذ ما يلزم لحماية المواطنين، والتصدِّي للعابثين بأمن البلاد، والضرب عليهم بيد من حديد، والقبض على الخارجين عن القانون، في كل مناطق ليبيا، فإن دفع الظلم عن الناس، وتأمينهم على أنفسهم وأموالهم واجبٌ منوطٌ بـأعناقهم.
ولا يجوز لأحدٍ تعطيلُ المصالح العامة، والخدمات الحيوية، والمرافق السيادية في الدولة، مثل مصادر الطاقة، أو حقول النفط وموانيه، أو الخدمات الصحية في المستشفيات لا يجوز لأحد تعطيلها من أجل المطالبة بالوظيفة أو تحسين الأوضاع؛ لما في ذلك من الضرر العام بالكافة، والفساد العظيم البالغ الضرر بالمصالح العامة، من أجل زيادة حرص على منافع شخصية ضيقة، ولا يجوز التعصُّب لمن يفعل ذلك، ولا حمايته، ولا الدفاع عنه في مواجهة الدولة، أو التستر عليه باسم القرابة، أو الجهة، أو القبيلة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين …) [صحيح مسلم 1567/3]؛ ولأنَّ التَّستُّر على الظالم شريكُ له في الجناية.
كما لا تجوز المحاصّة في المناصب على حسابِ الكفاءة والأمانة؛ لأنه من الغش للرعية الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وحرم على صاحبه الجنة.
وعلى قيادات عملية فجر ليبيا وثوار بنغازي وسبها أن يُوَحِّدُوا صفوفهم، وأن يتعاونوا مع أجهزة الأمن المختلفة في تحقيق ذلك، بحماية المرافق والمؤسسات من المخربين والسُّرَّاق ومختلقي الأزمات، وأن يحافظوا على ممتلكات الناس من الحرق والنهب والتخريب؛ فإن قيامهم بذلك من أفضل العبادات، وأعظم القربات عند الله تعالى، فَعَدْلُ ساعةٍ في الأرض أفضل عند الله من عبادة سنة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
غيث بن محمد الفاخري
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
7/ذو الحجة/1435هـ
2014/10/1م