بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4398)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عُرض عليّ عقار (أرض مقام عليها مصنع) قيمته 8000000 دينار، لأشتريه من شخص كان قد رهنه من قبلُ مقابل سداد قرض بفائدةٍ، أخذه مِن مصرف الجمهورية، لكي يشتري به المصنع، والفائدة تجري على هذا القرض من أول استلامهِ حتى سنة 2013م، حيث تم إيقاف الفائدة، وصارت الفائدة مفصولة عن أصل القرض في حساب خاص، وقدرها 723000 دينار، ولم يستطع البائع سدادَ القرض الذي هو 4644000 دينار، ولا الفائدةَ التي عليه، فتم الحبس على الرهن، والآن أرغبُ في قبول العقار منه على أن أسددَ القرضَ فقط مِن دون فائدة، مع إضافة 3,356,000 دينار الفارق في الثمن الحقيقي، حتى أدفع له ثمن المصنع كما هو مثمن بـ8000000 دينار، جزء من الثمن دين على البائع للمصرف قد تحملتُه عنه، وأسدده بالأقساط لمدة 5 سنوات من غير فوائد، والجزء الآخر أدفعه للبائع بالتقسيط، علما بأني سأدفع له عربونا قدره 1000000 دينار، وأنا أعلم أنه سيسدد به الفائدة التي عليه، فهل يجوز لي فعل ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ على المقترض التوبة النصوح مِن هذه المعصية؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة:279]، ثم عليه التعجيل بالتخلص من عقد الربا، بقفل ملفه مع المصرف، وذلك بتسديد القرض من غير الفائدة دفعةً واحدة، أو بإحالة الديْن على غيره بعقد جديد مع المحال عليه، وذلك لإنهاء العمل بالعقد الفاسد المحرم؛ لتتحقق التوبة من الحرام؛ فإن المعصية يجب تركها والإقلاع عنها دون تأخير، ولا يكون ذلك إلا بقفل ملف القرض الربوي نهائيًّا، ولو ببيع بعض الأملاك.
ويجوز شراء المصنع وذلك بأي سعر أراده البائع، ولو بغير إذن المصرف؛ لأن الرهن باطل بانعقاده مع قرض فاسد، قال الدسوقي رحمه الله: “قَوْلُهُ: (وَبِاشْتِرَاطِهِ في بَيْعٍ فَاسِدٍ) يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ كَالْوَاقِعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ أو لَأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ كما لو دَفَعَ له عَفِنًا في جَيِّدٍ إذَا شُرِطَ فيه رَهْنٌ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي أو الْمُقْتَرِضُ ظَانًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَأَوْلَى إذَا لم يَظُنَّ اللُّزُومَ بِأَنْ دَفَعَهُ جَازِمًا بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ أو شَاكًّا في ذلك فإن الرَّهْنَ يَكُونُ فَاسِدًا وَيَرُدُّهُ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ” [حاشية الدسوقي: 3/420].
ولا يلحق المشتري للمصنع إثمٌ بشرائه؛ لأن الربا تعلق بذمة المقترض، قال أبو عبد الله الموّاق رحمه الله: “نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ” [التاج والإكليل:8/198].
ولا يحلّ للمصرف أن يلزم المقترض بسداد الفائدة الربوية المحرمة المترتبة على القرض؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدايم سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
16//رجب//1442هـ
28//02//2021م