بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4421)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلقت زوجتي مرةً، ثم أرجعتها إلى عصمتي، ثم طلقتها طلقةً ثانيةً، لكن زوجتي تقول إنني طلقتها طلاقًا آخر قبل الطلاق الثاني بمدة طويلةٍ، مُعَلَّقا على خروجها من البيتِ، وقد خرجَتْ، لكنني لا أذكرُ هذا الطلاق، ولا أذكر أننا تطرقنا للكلام عنه ولم أرجعها، مع استمرار المعاشرة، فما حكم هذا الطلاق؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا ادعت المرأة أنّ زوجَها طلقَها، وأنكر؛ لعدم تذكره، فلا يؤمرُ بالفراق، قال الدردير رحمه الله: “(وَلَا يُؤْمَرُ) بِالْفِرَاقِ (إنْ) (شَكَّ هَلْ طَلَّقَ) أَيْ هَلْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ (أَمْ لَا) فَيَشْمَلُ شَكَّهُ هَلْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْ لَا” [الشرح الكبير: 2/401-402]، ونفي التذكر في عدم وقوع الطلاق أولى مِن الشك، وعلى المرأة إنْ تيقنتْ أن زوجها طلقها، وعجزت عن إقامة البينة على إثباتِ الطلاق، أن تمنعَ نفسها منه، وأن تعمل على التطليقِ منه بخلعٍ تدفعهُ له، أو بغير ذلك، وأن ترفع أمرها للقضاءِ للفصل في دعواها، قال ابن جزي رحمه الله: “إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَأَنْكَرَ هُوَ، فَإِنْ أَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ نَفَذَ الطَّلَاقُ … وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَاهِدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَيْهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ جَهْدَهَا” ]القوانين الفقهية: 1/153[، وقال الدردير رحمه الله: “(وَلَا تُمَكِّنُهُ) الْمُطَلَّقَةُ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا (إنْ عَلِمَتْ بَيْنُونَتَهَا) مِنْهُ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لَهَا تُقِيمُهَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا (وَلَا تَتَزَيَّنُ): أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (مُكْرَهَةً) بِالْقَتْلِ، (وَتَخَلَّصَتْ مِنْهُ) وُجُوبًا (بِمَا أَمْكَنَ) مِنْ فِدَاءٍ أَوْ هُرُوبٍ” [الشرح الصغير: 2/592]، فإن أتتْ بشاهدين فنفذَ الطلاقُ، أو افتدتْ منه فطلقَها، فهو طلاقٌ بائنٌ بينونة كبرى؛ لأن الطلقةَ قد حُسِبت عليهِ وإن لم يُرجِعها بالنية حتى انقضت العدة؛ مراعاةً للقول بحصول الرجعة بمجرّد الوطءِ، وقد وقعَ، قال البناني رحمه الله: “وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الطَّلَاقِ اللَّاحِقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِلُحُوقِهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ، وَقَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهَذَا بَائِنٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَلَزِمَ إقْرَارُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ الْأُولَى وَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا” [منح الجليل: 4/182].
وعليه؛ فإنْ كان الواقعُ ما ذكر في السؤال، فإنّ الزوجَ لا يؤمرُ بالفراقِ، وعلى المرأةِ إنْ تيقّنت مِن طلاقِ زوجها أن تمنع نفسها منه، وأن تفتدِيَ، فإنْ فدت نفسها وطلقها، فهو بائنٌ بينونةً كبرى، لا تحلّ له إلّا بعد زوجٍ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03//شعبان//1442هـ
17//03//2021م