هل تصح هبة الوالد لابنته الوحيدة كل ممتلكاته وأمواله؟
الحيازة شرط صحة الهبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4499)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
وهب رجلٌ كلَّ ممتلكاتهِ لابنتهِ الوحيدة، وجاء في وثيقة الهبة: “حيث قرر أن يهب لابنته… كامل ما يملكه من ثابت ومنقول من عقارات وغيرها ومن أموال كذلك أينما كانت وحلت ولدَى من تعينت، هبة خالصة لا ينازعها فيها أحد، وقد جرى ذلك من الواهب المذكور وهو بحال الطوع والرضى وجواز الأمر”، فما حكم الهبة؟ علما أن الأب يملك بيتًا – ظل يسكنه السكن المعتاد مع زوجته وابنته حتى مماته- وأموالا في حسابه المصرفي – ولم يوكلها بالتصرف في الحساب وإدارته وإنما كان يعطيها بطاقته المصرفية لتصرف منها وقد صرفت البنت جزءًا من المال قبل وفاة والدها – وسيارةً كان يقودُها هو وابنته، وأنّ أخَا الواهب مدينٌ له بمبلغ من المال، ولم تعلم به ابنته.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ مِن شرط تمام الهبةِ أنْ يحوزَها الموهوبُ له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرفَ المالكِ في ملكه، قال ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، ويشترط لصحة هبة دارِ السكنى أنْ يُخْليها الواهبُ من متاعه، أو يسكنَ أقلَّها، فإنْ سكن أكثرها وكان الموهوب له كبيرا حاز الأقل، بطلَ الجزءُ الذي سكنه الواهب، وصحَّ ما لم يسكنهُ، أما إن كان الموهوب له صغيرا وسكن الواهب الأكثر، فيبطل الجميع، قال الدسوقي رحمه الله: “وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ جَمِيعَهَا[أي: دَارَ سُكْنَاهُ]بَطَلَ الْجَمِيعُ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ أَخْلَاهَا كُلَّهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ أَوْ سَكَنَ أَقَلَّهَا صَحَّ جَمِيعُهَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، وَإِنْ سَكَنَ الْأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَطَلَ مَا سَكَنَهُ فَقَطْ إنْ كَانَ كَبِيرًا”[حاشية الدسوقي: 4/108]، ويشترط لصحة هبة الدَّينِ الذي يستحقهُ مِن أخيه، الإشهادُ على الهبة اتفاقًا، وتسليمُ وثيقة الدين للموهوب له، ومقابلته بالمدين، لأنه هبة للدَّين لغير مَن هو عليه، قال الدردير رحمه الله: “(وَإِلَّا) يَهَبْهُ [أي: الدَّيْنَ]لِمَنْ عَلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ (فَكَالرَّهْنِ) أَيْ فَكَرَهْنِ الدَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْإِشْهَادُ وَكَذَا دَفْعُ ذُكْرِ الْحَقِّ أَيْ الْوَثِيقَةِ …” [الشرح الكبير:99:4].
عليه؛ فإن الهبةَ ماضيةٌ فيما قبضته البنت مِن الأموالِ في حياة والدها، أمّا ما لم تقبضْه وبقي في الحسابِ المصرفي فإنه يعدُّ ميراثًا، يقسمُ حسب الفريضة الشرعية، وينظر لمقدار ما سكنه الوالد من البيت؛ فإن كان يسكنُ معظمَه فالتنازلُ باطلٌ فيما سكنه، وماضٍ فيما لم يسكنه، وإن كان يسكنُ الأقلَّ، ولم يكن له متاعٌ في بقية البيت، فإنّ التنازل صحيحٌ في كاملِ البيت، وهذا إذا كان البيت كبيرا بحيث يكون للواهب مدخل ومنافع تخصه، أما إذا كان البيت صغيرا مدخله واحد ومنافعه واحدة فسكناه في بعضه تبطل الهبة كسكناه في كله، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَنْ حَبَّسَ مَنزِلاً لَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَدْخَلٌ وَاحِدٌ، وَسَكَنَ بَعْضَهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَذَلِكَ يُبْطِلُ جَمِيعَهُ، وَلاَ يُعذَرُ؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنَ الْمَسَاكِنِ الَّتِي تُقَسَّمُ، وَيَصِيرُ لِكُلِّ قِسْمٍ بَابٌ، فَهْوَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِوَاحِدٍ، فَقَدْ أَشْغَلَهُ كُلَّهُ الْمُتَصَدِّقُ؛ وَإِنْ قَلَّ مَا سَكَنَ فِيهِ” [النوادر والزيادات: 12/117]، وأما السيارةُ فإن كان مفتاحها بيدِ البنتِ، وكان والدها يطلبُه منها عندما يحتاج السيارةَ، فإن الحوزَ متحقق فيها والهبةُ نافذة، أما إن كان مفتاحها بيدِ الأبِ، وهي مَن تطلبه منه، فإن الحوزَ غيرُ متحققٍ فتدخلُ في تركته، وأما الدَّينُ المستحقّ من أخ الواهب، فإنه يقسمُ حسب الفريضة الشرعية؛ لعدم علم البنت بالدَّين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(تنبيه: هذه الفتوى لا يحتج بها في النزاعات، ولا أمام القضاء، ولا تفيد صحة الوثيقة، لاحتمال أن لدى من ينازع فيها مقالا والدار لا علم لها به)
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
27//رمضان//1442هـ
09//05//2021م