طلب فتوى
البيعالفتاوىالمعاملات

عمارة الأرض مدة طويلة والمدعي شاهد ساكت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2225)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

باع الأَخَوان (ح) و(ش) أبناء (ع)، وكذلك (ر) ابن (ع)، للحاج (ص)، وأحفاده (د) و(م)، بعقود شراء مختلفة، مجموعة من الأراضي بفضاء زليتن، مرفقة لكم نسخة منها، وحاز المشترون بعض القطع، وبقي البعض الآخر على يد البائعين، والآن تنازع أحفادهم على القطع التي بقيت تحت يد البائعين، وطالب أبناء المشترين بها، فأخرج لهم أحفاد البائعين شهادة موثقة، كُتبت بعد وفاة المشترين باثنتي عشرة سنة، تشهد بأن المشترين قد أقروا على أنفسهم، بأن الأراضي مناصفة، بينهم وبين أبناء عمومتهم (البائعين)، جاء في نص الشهادة بعد الافتتاح: “لم نزل نسمع من سيدي الحاج (ص) حال حياته … ومن سيدي (ح) أن العقار الكائن ببرية الفواتير بزليتن، يقسم أنصافا بين ورثة سيدي (ر) المذكور، الذين منهم الحاج (ص) المذكور، و(ح) و(ش) وَلَدا (ع) … لامزيد لأحد الوارثين عن الآخر من العقار المذكور…”، فما الحكم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإذا كان الحال كما ذكر في السؤال، وكانت عقود الشراء صحيحة، لا مطعن للبائعين فيها، فالقول قولها؛ لأنها ناقلة للملك، والشهادة على الإقرار تقضي باستصحاب الحال الكائن قبل عقود الشراء، بحكم أنهم أبناء عمومة، يرثون الأرض جميعًا، وخاصةً أنها لم تنفِ انتقال ملك بعضِ الأرض المذكورةِ من يدي أحدٍ منهم، بالبيع ولا غيره، قال الخرشي في تقديم إحدى البينتين: “وبنقل عن أصل على مستصحبة له ـ أي لذلك الأصل ـ فإذا شهدت بينة أن هذه الدار – مثلا – لزيد، أنشأها مِن ماله، لا يعلمون أنها خرجت عن ملكه بناقل شرعي إلى تاريخه، وشهدت بينة أن عمرا اشتراها من زيد بعد ذلك، فإنه يعمل بالبينة الناقلة؛ لأنها علمت ما لم تعلمه الأخرى، ومن علم يقدم على غيره” [شرح الخرشي:231/7].

وتبقى مسألة حيازة الأرض المدة الطويلة، فإن كان المشترون وورثتهم يطالبون بالأرض من زمن الشراء، وينازعون فيها البائعين وورثتهم، ولم تمضِ مدة الحيازة الشرعية دون مطالبة من المشترين، فالأرض للمشترين وورثتهم، وليس للبائعين وورثتهم فيها حق، وإن حازوها عشر سنين، وتصرفوا فيها تصرف الملاك دون منازعة من المشترين وورثتهم، وهم حاضرون ساكتون، فلا كلام للمشترين وورثتهم؛ لأن القول قول الحائز، إلا بشبهة للحيازة، كأن يكون المشتري قد أذن له في التصرف بوجه من الوجوه؛ من شركة أو مساقاة أو نحوها، قال ابن الحاجب: “العمارة مدة طويلة والمدعي شاهد ساكت ولا مانع من خوف ولا قرابة ولا صهر وشبهه فغير مسموعة، ولا تسمع بينة إلا بإسكان أو إعمار أو مساقاة أو شبهها” [التاج والأكليل:275/8]، وإذا كان يعلم من استحق الأرض بموجب ما ذكر أنها ليست ملكا له في واقع الحال فلا تحل له ديانة؛ لقوله: (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْكُمَ لَهُ بِقَدْرِ مَا أَسْمَعُ مِنْ حُجَّتِهِ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) [البخاري: 2680]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

محمد الهادي كريدان

أحمد ميلاد قدور

 

غيث بن محمود الفاخري

نائب مفتي عام ليبيا

03/جمادى الأولى/1436هـ

22/02/2015م

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق