بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4647)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حصلت مقاسمة بين الورثة لأرضٍ محددةِ المعالم، وانتهتِ المقاسمةُ إلى أن يكونَ جزءٌ من قطعةِ الأرض مخصصًا للعشاء والصدقة، وقد رضيَ الجميعُ بذلكَ، حسب ما ذُكر في المقاسمة، وأيضا ذكروا في المقاسمة أن الأرض نفسَها بها أشجار زيتون، هي مِن نصيبِ أحدِ الورثة، فهل هذا تناقض في المقاسمة؟ وفي حال لا تناقضَ فيها، ورغبَ الوارث المتحصل على الأشجار في بيعها، فهل يمكنه ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذا كان الواقع كما ذكر في السؤال، فإنّ القسمة التي تراضيتم عليها ماضيةٌ، لازمةٌ، ما دام الجميع قد رَضُوا بها، وكانوا بالغين راشدين، قال ابن رشد رحمه الله: “الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ… بِوَجْهٍ صَحِيحٍ جَائِزٍ لَزِمَتْ” [المقدمات الممهدات: 3/104]، ولا تناقضَ في المقاسمة؛ لأنه يجوز أن يكون الشجر لشخص والأرض لشخص آخر، وبإمكان من له شجر في أرض غيره بيعُ الشجرِ فقط، أو الاستفادة من مكان الشجر في حالة يبسهِ، بأن يغرس بدله شجراً آخر لا يضر بشجر غيره؛ لأنه يعدّ من حريم الشجرِ، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) جَازَ لَك…(غَرْسُ أُخْرَى) بَدَلَ الْمَقْلُوعَةِ (إنْ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُك) قَبْلَ …(مِنْ أَرْضِ غَيْرِك إنْ لَمْ تَكُنْ) الْمَغْرُوسَةُ (أَضَرَّ) مِنْ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ عُرُوقِهَا أَوْ مِنْ جِهَةِ فُرُوعِهَا الَّتِي تَسْتُرُ بَيَاضَ الْأَرْضِ” [الشرح الكبير:3/504] وقد سُئل الإمام مالك رحمه الله عن حريم النخلة، فقال: “قَدْرَ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا، وَيَتْرُكُ مَا أَضَّرَ بِهَا” [النوادر والزيادات:25/11]، وقال أبو عبد الله الحفار رحمه الله: “وَمَنْ لَهُ شَجَرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ وَحَرِيمَهَا، وَهْوَ مِقْدَارٌ مِنْ الأَرْضِ يَدُورُ بِهَا يَحْرُمُ مَا يَدُورُ بِالشَّجَرَةِ، وَيَسْقِي الشَّجَرَةَ إِذَا جَلَبَ إِلَيْهَا الْمَاءَ فِي الْحَرِيمِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْحَرِيمُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّجَرِ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْفِلَاحَةِ، فَهُمْ يَعَيِّنُونَ لِلشَّجَرِةِ حَرِيماً يَمْلِكُهُ رَبُّ الأَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ سَقَطَتْ جَعَلَ مَكَانَهَا عِوَضًا مِنْهَا” [المعيار:12/5]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم سليم الشوماني
عبد العالي امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//صفر//1443هـ
22//09//2021م