بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4771)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي م، عن زوجة وأخت شقيقة وأبناء عم، وترك مزرعتين مساحتهما ثلاثة هكتارات، وبيتًا، وأسهمًا تجارية في بعض المصارف، وقد ترك وصية نصها: “… تمكين زوجتي من استلام مؤخر صداقها المذكور في عقد الزواج، والبيت الكائن في ح د يقسم وفقاً لشرع الله بين زوجتي وشقيقتي ولهنّ الحق في بيعه وشراء غيره أو السكن فيه معاً، ويُستمر في سداد مرتب غفير مزرعة س 250 ديناراً شهرياً وغفير مزرعة ج 260 ديناراً شهرياً حتى يتم التصرف في المزرعتين، والسيارة نوع (س) حلال على زوجتي، أما الأخرى فتباع ويسلم ثمنها إلى خ أختي شقيقتي، أما باقي التركة فتخصص لبناء مسجد في أي مكان وما يزيد يخصص لبيت العجزة والمسنين ودور الأيتام والفقراء، يتم تنفيذ هذه الوصية بمعرفة ل، وق، وج، وط”، فما حكم هذه الوصية؟ وكيف يتم تنفيذها؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكر؛ فتُحصر تركة الميّت، وتُسدد ديونه أولًا قبل قسمة التركة وتنفيذ الوصية؛ لقوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]، ومنها الصداق المؤخر الذي أوصى به لزوجته؛ لكونه من الديون التي يجب سدادها قبل قسمة الميراث، وأما الوصية بالبيت والسيارتين للزوجة والأخت الشقيقة فهي باطلة؛ لأنها وصية لوارث، والوصية لوارث لا تجوز، إلّا إذا أجازَها باقي الورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) [أبو داود: 2870]، وزادَ الدارقطني: (إِلّا أنْ يَشَاءَ الوَرَثَةُ) [سنن الدارقطني: 89]، وقال الإمام مالك رحمه الله: “السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لاَ اخْتِلَافَ فِيهَا؛ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، إِلاَّ أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ” [موطأ مالك: 503]، وبهذا تكونُ الوصية لهما موقوفةً على إجازةِ الورثة، فإن أجازوها مضَتْ، وكان ذلك ابتداء عطيةٍ منهم، وإلّا فلكلّ وارثٍ من ورثةِ الموصِي نصيبه، الذي فرضَه له ربّه، وأما ما أوصى به لبناء مسجد وما زاد عنه يخصص لدور العجزة والأيتام، وكذلك وصيته بسداد مرتب خُفَراء المزرعتين حتى يتصرف فيهما، فإنها تنفذ في حدود ثلث كامل التركة بعد استيفاء الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه: 2709]، ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد أراد أن يوصي بماله كله: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) [البخاري: 2742]، فإن كان ما يحتاجه المسجد من المال للبناء وما يعطى للغفراء من الأجرة لا يزيد عن مقدار ثلث التركة فيجب تنفيذ الوصية ببناء المسجد ودفع أجرة الخُفَرَاء، والتصدق على دار العجزة بما بقي من الثلث إن بقي شيء، وإن كانت هذه المبالغ تزيد على مقدار ثلث التركة فلا ينفذ الزائد إلا بإذن الورثة، فللورثةِ الحق في إمضائهِ أو عدمهِ، فإن شاءُوا أقرُّوه، وإن شاءُوا منعُوه، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20//جمادى الآخرة//1443هـ
23//01//2022م