بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4684)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة تنازل عن عقار ما نصه: (تم التنازل بين كل من ع المتنازِل، و ن المتنازَل له، واتفقا على الآتي: تنازل وأسقط الطرف الأول المتنازِل إلى الطرف الثاني المتنازَل له وبمحض إرادته واختياره وبدون ضغط عليه طائعا مختارا وهو بأتم الأوصاف المطلوبة شرعا وقانونا عن العقار الآتي وصفه: ثم ذكر للحدود والمساحات، وذكر في المادة السادسة من العقد: يعتبر التنازل تنازلا نهائيا وخاليا من أي قيد أو شرط ودون الرجوع فيه، ومن تاريخ توقيعه يصبح الطرف الثاني حائزا لهذا العقار وله حق التصرف فيه، وفي المادة السابعة: أن جميع المصروفات والأتعاب وكافة الرسوم المتعلقة بإتمام إجراءات تسجيله على عاتق الطرف الثاني المتنازَل له، ثم توقيع الطرفين وبصمتهما وتصديق محرر العقود على ذلك بتاريخ: ****)، وفي وثيقة أخرى: (تنازل الطرف الأول (ع) للمتنازَل له الطرف الثاني (ن) وهو بكامل الأهلية للتصرف شرعا وقانونا عن شقة سكنية بالدور الثاني، ثم ذكر وصفها وحدودها، وقبل الطرف الثاني الشقة المذكورة وعاينها، ثم التوقيع والبصمة والتصديق).
علما أن المتنازَل له استغل الأرض المذكورة حال حياة المتنازِل، وأقام عليها مشروعا، وقام كذلك بصيانة الشقة وتأثيثها وإحداث تغييرات فيها، واشترى بعض المواد الصحية من المحل المستأجَر لصالح المتنازِل (الوالد) بإذنه ورضاه، ليُحتَسَب ثمنُها من قيمة الإيجارات، فما حكم هذا التنازل؟ وهل يدخل المتنازَل له مع بقية الورثة في باقي المزرعة الموروثة عن المتنازِل، كون الأرض المتنازَل عنها جزءًا منها، أم يعتبر استوفى حصته؟ بعض الأبناء أخبر أن الأب وعد بالتنازل لباقي الأبناء عن حصة من المزرعة لكل منهم، كما فعل مع أخيهم، ولكنه توفي ولم يفعل، فما الحكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالتنازل المذكور في الأرض والشقة هو مِن قبيل الهبة، وشرطُ تمام الهبة أن يحوزَها الموهوبُ له في حياة الواهب وصحته، ويتصرفَ فيها تصرفَ المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، مِن حصول حيازة الابن (ن) للأرض الموهوبة، والشقة في حياة أبيه وصحته، بالتصرف فيهما تصرف الملاك؛ فالهبة لازمةٌ صحيحةٌ في الأرض وفي الشقة، وهي ملك له يختصُّ بها، وليستْ مِن الميراثِ، ولا تحتسب من حصته، وأما الوعد الصادر من الأب الذي لم ينفذه حال حياته، فلا يفيد باقي الورثة شيئًا؛ لأن مجرد الوعد بالهبة، هو إخبار بالإنشاء في المستقبل لا يلزم منه شيء، قال الحطاب رحمه الله: “وَأَمَّا الْعِدَةُ فَلَيْسَ فِي إِلْزَامِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ شَيْئًا الْآنَ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إِخْبَارٌ عَن إِنْشَاءِ الْمُخْبِرِ مَعْرُوفًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ” [تحرير الكلام: 153].
وننصح الابن الموهوب له دون بقية إخوته بمراعاة إخوانه، وإعطائهم شيئًا ممّا وهبه الوالد وخصَّه به؛ إحسانًا منه إليهم، وتعويضًا عن حرمانِهم، وبرًّا بوالدِه، حتى لا يكون عملُه في التفرقةِ بينهم مدعاةً للعقوقِ وقطيعةِ الرحمِ، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//ربيع الأول//1443هـ
25//10//2021م