بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4706)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تشاجرتُ مع زوجتي عبر الهاتف وهي في بيت أهلها، وكنت حينها في حالة سُكْر، وفي اليوم التالي ذهبتُ لها لإرجاعها للبيت، فَأُخْبِرْتُ بأني طلّقتُها بالهاتف، فأنكرتُ ذلك، ولم أذكر وقوعه مني، وبقيتْ ببيت أهلها، فهل يلزمني الطلاق؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فطلاقُ السكران في حال غياب عقله إنْ كان فيه نوع تمييز، وهو ما يسمى بالسكران المختلط، لازمٌ له، وإن كان السكران لا تمييز له، لا يدرك شيئا ولا يعرف السماء من الأرض، ويسمى بـالسكران الطافح، فهذا كالمجنون، طلاقه غير واقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود: 4405]، قال الدردير رحمه الله: “إِلاَّ أَن لاَّ يُمَيِّزَ، فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ” [الشرح الكبير: 2/365]، وهو قول عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ورواية محمد بن عبد الحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي رحمهما الله، قال ابن رشد رحمه الله: “السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ…، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله تعالى، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ” [البيان والتحصيل: 4/258].
عليه؛ فإن كان السائل حين وقوع الطلاق لا يعي شيئا، ولم يعرف أنه قد صدر منه طلاق؛ فلا يلزمه الطلاق، ولكنه آثم مستوجب لغضب الله، بارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، وهي إدخال السُكر على نفسه، الذي بسببه أوقع الطلاق على زوجته، فعليه أن يتوب من هذه الكبيرة، ولا يجعل عدم وقوع الطلاق عليه، تسهيلا له بأن يعود إلى السكر مرة أخرى حيث لم يقع طلاقه هذه المرة، أما إن كان وقت وقوع الطلاق يعي ما يقول، ويعرف أنه يطلق زوجته في ذلك الوقت، فطلاقه لازم، ويُسأل كم مرة طلق زوجته قبل هذه التطليقة، بحيث يحكم له بصحة ترجيعها، أم لا، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن حسين قدوع
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08//ربيع الآخر//1443هـ
14//11//2021م