بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4919)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ التوسلَ المشروعَ الذي لا خلاف فيه بين العلماء، هو التوسلُ بأسماء الله وصفاته جل وعلا، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ) [الأعراف:180]، وكذلك التوسلُ بالأعمال الصالحة، التي يظنُّ العبدُ أنه أخلصَ فيها لربه عز وجل، كما في حديث النفر الذين سَدَّت الصخرةُ بابَ الغار عليهم، فتوسلوا بأعمالهم الصالحة؛ فنجاهم الله. [البخاري: 2215، مسلم: 2743].
أما النبي صلى الله عليه وسلم – مع علو منزلته ومكانته عند ربه، وعظيمِ شأنه – فإنّ التوسلَ به صلى الله عليه وسلم أو بجاهه لم يثبتْ فيه حديثٌ صحيحٌ صريحٌ، لا نزاعَ فيه، ولم يصحَّ أنّ أصحابه مِن بعده رضي الله عنهم توسلوا به صلى الله عليه وسلم، والخيرُ كلُّ الخير في التقيد بهديهِ وهدْي أصحابه صلى الله عليه وسلم، بل إنّ من تمام محبته وتوقيره وتعزيره صلى الله عليه وسلم اتباع هديهِ، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، قال سبحانه وتعالى: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ) [آل عمران: 31]، وما يرويه بعضهم: (تَوسَّلوا بجاهي فإنَّ جاهي عندَ اللهِ عظيمٌ) هو حديث باطلٌ، لا أصل له، ولا تصحُّ نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا جاهَ له، بل هو أعظم عباد الله جاهًا عند ربنا سبحانه وتعالى، إلا أن الدعاء عبادة، والعبادة يكتفى فيها بالوارد في الشرع، فلا يعبد الله إلا بما شرع.
كما أن صيانة جنابِ التوحيدِ والمحافظة عليه من كل ما يشوبهُ، مِن أوجبِ الواجباتِ، وبابُ سدِّ الذرائع بابٌ عظيم، فقد كان مالك رحمه الله ينهى عن كثير من المباحِ؛ مخافةَ أن يُفضي إلى الممنوع [ينظر: البدع والنهي عنها، لابن وضاح: 90]، وسد الذرائع في مثل هذا الباب الذي تتساهل فيه العامة أوجب، فإنهم لا يقتصرون في مثل هذه المسائل كالتوسل ونحوه على مواطن الخلاف فيما فيه بين أهل العلم اختلاف، بل يتجاوزونه إلى الأمور المتفق على منعها، وليس فيها لأهل العلم قول معتبر، مثل: الاستغاثة بالأولياء، وقولهم مدد يا شيخ فلان، فهذا لا يحلّ، ولا يجوز لأهل العلم أن يترخصوا فيه؛ لأنه ضار بعقائد الناس، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن بن سالم الشريف
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09//محرم//1444هـ
07//08//2022م