بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4965)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا متزوجة منذ سبعِ سنوات، ولديّ طفل عمره سنتان، وزوجي عصبي ولا يعمل، ودائما يحصل الشجار بيننا، وفي آخر شجار؛ سبَّ الجلالة، ثم قال لي: أنتِ طالق بالثلاثة، فما هو الحكم الشرعي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا شك أن سبّ الله عز وجل، وسبّ الدين؛ كفرٌ وردةٌ عن دينِ الإسلام، وخروجٌ من الملة، والعياذ بالله، ولقد استفاض النقل عن العلماء في كتبهم، أنّ سبَّ اللهِ والدينِ ردةٌ عن دين الإسلام، قال القاضي عياض رحمه الله: “لَا خِلَافَ أَنَّ سَابَّ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ، حَلَالُ الدَّمِ” [الشفا: 270/2]، وقال ابن راهويه رحمه الله: “وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ سَبّ اللهَ عز وجل، أَوْ سَبَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم … وَهْوَ مَعَ ذَلِكَ مُقِرٌّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَنَّهُ كَافِرٌ” [التمهيد: 226/4].
وإذا سبَّ الزوجُ ربَّه عز وجل، أو سبَّ الدينَ؛ فإن زوجتَه تَبِين منه بينونةً صغرى، ولا تحلّ له إلا بعقد جديد، بوليٍّ وصداق وشاهدين، قال الدردير رحمه الله: “(وَفُسِخَ لِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ) … (لَا رِدَّتِهِ) أَيْ: أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَلَيْسَ فَسْخًا مُجَرَّدًا، بَلْ هُوَ طَلَاقٌ، وَإِذَا كَانَتْ طَلْقَةً (فَبَائِنَةٌ) لَا رَجْعِيَّةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ” [الشرح الكبير: 270/2]، فإن طلقها بعد ردته؛ لزمه الطلاق مراعاة للقول الآخر، مِن كونِ الردةِ يلزمُ منها الطلاق الرجعي، سئل عليش رحمه الله: “إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَأَرْدَفَ الزَّوْجُ طَلَاقاً … فَيَكُونُ الطَّلَاقُ لَاحِقاً أَوْ لَا، أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ فَأَجَابَ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ، قَالَ: لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِيهَا قَوْلٌ بِأَنَّها طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، وَقَوْلٌ بِعَوْدِ الْحِلِّ بِمُجَرَّدِ الْعَوْدِ لِلْإِسْلَامِ، فَيَرْتَدِفُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ حَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ: مُرَاعَاةً لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَاسْتِحْسَاناً، وَاحْتِيَاطاً لِلْفُرُوجِ، إِذَا كَانَ الْإِرْدَافُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا مُطْلَقاً، وَقَوْلُهُمْ الْبَائِنُ لَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَسَقاً؛ مَخْصُوصٌ بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ” [فتح العلي المالك: 50/2].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فقد لزم الزوجَ ما أوقعه من طلاق الثلاث، وقد بانت منه زوجته بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//صفر//1444هـ
12//09//2022م