طلب فتوى
الصلاةالعباداتالفتاوىالمساجد

هل يجوز جعل مسجد قديم مركزًا لتحفيظ القرآن؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4964)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحن أهالي شارع غودش بتاجوراء، قمنا ببناء مسجد جديد بالقرب من المسجد القديم، المعروف بمسجد أبو كركورة، حيث يفصل بينهما منزل وقطعة أرض، وسبب إنشاء المسجد الجديد هو ضيق القديم، ووقوعه في مسار طريق ضمن المخطط العام، وبناء الجديد كان بفتوى من دار الإفتاء، فهل يجوز جعل القديم مركزًا لتحفيظ القرآن؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصل أن المسجد حبس، لا يتصرف فيه بتغيير أو تعطيل؛ لقول الله عز وجل: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 181]، قال المواق رحمه الله: “(وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إِنْ جَازَ)، قال ابْنُ الْحَاجِبِ رحمه الله: مَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اتُّبِعَ” [التاج والإكليل: 649/7]، أما بعد الوقوع والنزول، فإن استغني عن المسجد القديم بالمسجد الجديد، وتُيُقِّنَتْ عدم عمارة القديم مسجدًا من جديد، بسبب كفاية المسجدِ الجديدِ للناس، وتحققت حاجةُ الناس إلى هذا المكان ليكونَ مركزًا لتحفيظ القرآن، ورأت اللجنة المشرفة على المسجد أن المصلحة متحققةٌ في ذلك، فيجوز ذلك؛ تقليدًا لقول بعض أهل العلم من المالكية وغيرهم، وعملًا باجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرج الطبراني رحمه الله في الكبير، عن القاسم رحمه الله قَالَ: “قَدِمَ عَبْدُ اللهِ وَقَدْ بَنَى سَعْدٌ الْقَصْرَ، وَاتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي أَصْحَابِ التَّمْرِ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ، فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ اللهِ بَيْتَ الْمَالِ نَقَبَ بَيْتَ الْمَالِ، فَأَخَذَ الرَّجُلَ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه: (أَنْ لَا تَقْطَعْهُ، وَانْقُلِ الْمَسْجِدَ، وَاجْعَلْ بَيْتَ الْمَالِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي)، فَنَقَلَهُ عَبْدُ اللهِ وَخَطَّ هَذِهِ الْخُطَّةَ” [معجم الطبراني: 8949]، وقال المواق رحمه الله: “فِي الطُّرَرِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ، وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ نُقْضِهَا إِذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِلضَّرُورَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَتَوْقِيفُهُ لَهَا إِن رُجِيَ عِمَارَتُهَا أَمْثَلُ، وَإِن لَمْ يُرْجَ عِمَارَتُهَا بِيعَ، وَأُعِينَ بِثَمَنِهَا فِي غَيْرِهِ، أَوْ صُرِفَ النُّقْضُ إِلَى غَيْرِهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ إِنْ فُقِدَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ تُرْجَ لَهُ عِمَارَةٌ، أَنَّهُ يُبَاعُ أَصْلُهُ، وَيُنْفَقُ فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إِلَيْهِ، وَهْوَ شَبِيهٌ بِمَا قِيلَ فِي الْفَرَسِ الْمُحَبَّسِ يَكْلَبُ، وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مُزَيْنٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ نُقْضُهُ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَيُتْرَكُ مَا يَكُونُ عَلَمًا لَهُ؛ لِئَلَّا يُدْرَسَ أَثَرُهُ، وَنَحْوهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَن غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ” [التاج والإكليل: 662/7]، وفي مسائل الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ، قال صالح بن أحمد رحمه الله: “قُلْتُ لِأَبِي: الْمَسْجِدُ يَخْرَبُ وَيَذْهَبُ أَهْلُهُ؛ تَرَى أَن يُحَوَّلَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ يُرِيدُ مَنْفَعَةَ النَّاسِ فَنَعَمْ، وَإِلاَّ فَلَا” [405]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//صفر/1444هـ

12//09//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق