بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5026)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعيشُ في كندا، ومن الصعب شراء عقار دون قرضٍ من المصرف، ولـمّا كانت القروض هنا ربويةً، ظهرتْ شركاتٌ عقاريةٌ يقوم عليها مسلمون، أرادوا مساعدة المسلمين في تجنّب الربا، وعملهم يتمثل في الاقـتراضِ من المصرف نيابةً عن الزبون الباحثِ عن العقار، ويكون القرض باسم الزبون، ولكنه لا يستلم المبلغ المقترَض، وليس له أي تعامل مع المصرف حتّى إن المبلغ المقتـرَض يذهب إلى بائع العقار مباشرةً، ويُشترَى العقار باسم الشركة، ثم تعقد الشركةُ مع الزبون عقدَ إجارة منتهيةٍ بالتمليك، وهو عقدٌ لازمٌ، ليس لها الرجوع عنه، ويسكن الزبون العقار، ويظل يسدد الأقساطَ حتى تستوفي الشركة قيمة القرض مع هامشِ ربحها، وحينها يصير العقار باسم الزبون، وللزبون بيع العقار في أي وقت أثناء فترة السداد، وتكون له الزيادة وعليه النقصانُ بعد دفع ثمنه للشركة، وفي حالة عجز الزبون عن السداد يُباع العقار، ويَسترِدّ المصرفُ قيمةَ قرضه من ثمن البيع، فهل يجوزُ لي شراء عقارٍ بهذه الطريقة، وأكون بذلك قد تجنّبتُ الوقوع في الربا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فما تفعله الشركات المذكورةُ، يشتمل على أمرين محرمين:
الأول: التوسط في حصول الزبون على قرض ربوي؛ لأنه ما دام عقد القرض باسم الزبون؛ فإن عمل الشركة يعدُّ من قبيل الوكالة على استخراج القرض، وهذه الوكالة لا تنفي عن الزبون وقوعه في الربا، ولا ترفع الإثم عنه، ولا عن الوكيل، فعن جابر رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ) [مسلم: 1598]، ولا فرق في ذلك بين أن يستلم الزبونُ المبلغَ المقترَض في يده، أو يُحوّله المصرفُ لبائع العقار رأسا، ولا بين أن يباشر التعامل مع المصرف بنفسه، أو أن يكون تعامله مع الشركة الوسيطة فقط، كل ذلك سواء في كون المقترض قد أكل الربا، وأَذِنَ بحربٍ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وباء بالمنكر العظيم، قال ابن شاس رحمه الله: “وأَمّا العَقْدُ فَحُكْمُ الوَكِيلِ فِيهِ حُكْمُ المُوَكِّلِ” [عقد الجواهر: 632/2].
ولأجل هذا المعنى؛ ذكر الفقهاء حرمةَ توكيل غيرِ المسلم على البيع والشراء، نقل ابن يونس رحمه الله عن الإمام مالك رحمه الله قوله: “وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَصْرَانِيّاً… لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ… لِعَمَلِهِمْ بِالرّبَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ لَهُ” [الجامع لمسائل المدونة: 296/11].
الثاني: عقد الإجارة المنتهية بالتمليك الذي تبرمه الشركة مع الزبون؛ فإنّ هذا العقد بصورته المذكورة في السؤال غيرُ جائز؛ لأن البيعَ واقعٌ فيه مع عقد الإجارة في وقتٍ واحدٍ، على عينٍ واحدةٍ، في زمنٍ واحدٍ، وشرطُ جواز الإجارة المنتهية بالتمليكِ انفصالُ عقد الإجارة عن عقدِ البيع، وألّا يكون الوعد بالبيع ملزِمًا، وألَّا يكون عقد الإجارة مجرد صورة ساترة للبيع، وأما الصورة المذكورة في السؤال فهي من الصور التي نصّ قرار مجمع الفقه الإسلامي على منعها؛ حيث جاء في قراره رقم: (11 (12/4لسنة 2000م: “من صور العقد الممنوعة:
- عقد إجارة ينتهي بتملّك العين المؤجَرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعا تلقائيًّا”.
وعليه؛ فلا يجوز للمسلم الإقدام على شراء عقار بالطريقة المذكورة في السؤال؛ لاشتمالها على الربا الواضح الصريح، ولا فرق في حرمة الربا بين أن يباشرَ المسلمُ الوقوعَ فيه بنفسه، أو أن ينوبَ عنه غيره في ذلك، ولاشتمالها على صورة إجارةٍ منتهيٍة بالتمليك، غير مستوفيةٍ لشروط الجواز، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ربيع الآخر//1444هـ
14//11//2022م