كيف يتصرف في نصيب المفقود من الميراث؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5033)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
امرأةٌ فُقِد زوجها أيام الثورة في 2011م، وهو من مواليد 1961م، وآخرُ معلومةٍ عنه أنه خرج من المستشفى الميداني، بعد دخوله على إثر إصابة، وزوجتُه تعيشُ هي وأبناؤه مع والده، ووالدُه رجلٌ مسنّ تجاوزَ التسعين، مصابٌ بأمراض لا يُرجى شفاؤها، وقد يموتُ في أي وقت وتُقسم تركته، وتَخشى إن هي لم ترفعْ أمرها للقضاءِ، أن يورّثوا زوجها بغير حقّ؛ لأنه مقيّدٌ بالسجلات الرسمية حيًّا، فهل يجب عليها رفعُ أمرها للقضاء، ويُعدّ بقاؤها دون رفعٍ تحايلًا على الشرع؛ لأخذ مالٍ ليس من حقها؟ وما الواجب عليها بشأن عدّتها مِن زوجها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالمفقود له حالتان، حالةٌ خاصة بالأحكام المتعلقة بزوجته، وحالةٌ متعلقة بميراثه، أما فيما يتعلق بزوجته فزوجةُ المفقود مخيّرة بين أن تبقى في عصمتهِ أو ترفع أمرها للقضاء، حتى ينظرَ في حالها، ويضربُ القاضي للمفقود أجلَ أربعةِ أعوام، تبتدئ من تاريخ العجزِ عن خبره، ثم بعد انقضاءِ الأجل المضروب، وهو الأربع السنين، تعتدُّ زوجته عدةَ وفاة، أربعة أشهر وعشرًا، قال خليل رحمه الله: “وَلِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي… فَيُؤَجَّلُ الْحُرُّ أَرْبَعَ سِنِين… مِنَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ، ثُمَ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ وَسَقَطَتْ بِهَا النَفَقَةُ” [مختصر خليل: 119]، قال عِلِّيش رحمه الله: “وَلَهَا عَدَمُ الرَّفْعِ وَالْبَقَاءُ فِي عِصْمَتِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ أَمْرُهُ” [منح الجليل شرح مختصر خليل: 317/4].
وأما الحالة المتعلقة بميراثه فإن نصيب المفقود من التركة إن ماتَ والده، لا يتأثرُ حكمه برفع الأمر للقضاءِ أو عدمه؛ لأن الواجبَ أن يوقَف هذا النصيبُ ولا يُتصَرف فيه، حتى يبلغَ سنَّ التعمير سبعين عامًا، فإذا بلغها ولم تتبين حياتُه، حكمَ القاضي بموته، اعتبارًا من تاريخ فقدهِ، وقسم نصيبُه من التركة على ورثةِ والده، نقل عليش رحمه الله عن ابن سلمون رحمه الله قولَه: “وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ تَعْمِيرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ رُدَّ مَا كَانَ وُقِفَ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى” [فتح العلي المالك: 377/2].
ولا يكفي مضيُّ المدة المذكورة، بل لا بد من حكمٍ قضائي، قال الشيخ الدسوقي رحمه الله في المفقود في بلاد المسلمين: “فَإِنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ” [حاشية الدسوقي: 301/2].
وعليه؛ فإن الزوجةَ إذا أرادت أن تخرج من عصمةِ زوجها المفقودِ، فعليها رفعُ أمرها للقاضي؛ ليضربَ لها أجلًا، ثم تعتدّ بعد انقضائه عدة وفاةٍ أربعةَ أشهر وعشرًا.
وأما عن نصيب المفقود في التركةِ، فإنّ رفع الأمر فيه للقاضي الآنَ ليسَ واجبًا، وليس في تركه تحايلٌ على الشرع، بل غايةُ ما يجب هو عدم التصرفِ في نصيب زوجها من تركة والدهِ، حتى يتجاوزَ مدة التعمير، ويَحْكُمَ القاضي بموته، وحينها يرجعُ نصيبه إلى ورثة والده، ويقسمُ بينهم بحسبِ الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26//ربيع الآخر//1444هـ
21//11//2022م