حكم نزع الحكومة ملكية عقارات في فتح مسارات طرق عامة دون تعويض لأصحابها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5225)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أملك أرضًا ورثتها عن آبائي، وقبل أكثر من عشر سنوات؛ قام المسؤولون عن مخططات الطريق العام برسم المخطط العام للمنطقة، ووقع جزء من الأرض في مسار الطريق العام، فعُوِّض حينها بعض الجيران، ولم يعوَّض البعضُ الآخر، وكنت ضمن الذين لم يعوَّضوا، وبقي الحال على ما هو عليه، ولم يفتح المسارُ بالشكل المطلوب؛ لعدم إكمال تعويض المالكين، وعدم استقطاع الميزانية الكافية للتعاقد مع الشركة المنفذة، وقد بيَّنا للمسؤولين منذ ذلك الوقت أن هذه الأرض ملك مقدسٌ لنا، ومن حقنا التعويض في ثمنها، وفي هذه الفترة الزمنية عادتِ الحياةُ للمشاريع المتوقفة، واستلمت شركة الخدمات العامة وجهاز الإسكان والمرافق والبلديات المعنيةُ مشاريعَ فتح المسارات، وخدمتها من حيث البُنَى التحتيةُ وتعبيدُ الطرق، وخَصصَ القائمون على هذه المشاريع تعويضاتٍ عن المباني القائمة على هذه الأراضي المملوكة، دونَ الأراضي التي لا بناءَ عليها، وهذا ما اعتبرناه ظلمًا وتعديًا؛ لأنه لن يقومَ أحدٌ بالبناء في الجزءِ الذي سيكون طريقًا حسب المخطط، والآن نحنُ عرضةٌ للسجنِ والترهيبِ لمعارضتِنا أن تفتح المسارات قبل تعويضنا، علما أننا قدمنا المستندات المطلوبة للتعويض، سواء أيام النظام السابق أو في هذه الأيام، ولم نتلقَّ إلا الوعودَ والتنبيهاتِ شديدةَ اللهجةِ بفتح المسار، فما حكم الشرع في هذه المسألة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يجوزُ للدولة أخذُ شيءٍ من أملاك الناسِ بغير وجهِ حقّ، كما لا يحق لها إجبارُهم على بيعها لغير ضرورةٍ، ومصلحةٍ عامّة ملحةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، فإذا وُجدت المصلحةُ، وكانت عامةً ملحةً، جاز للدولة أخذُ أملاك الناسِ مقابلَ تعويضِهم بثمنِ الوقت، وذلك بإبرام عقدِ بيعٍ بين الدولة والمالك.
وإذا أُبْرِم عقد البيعِ بين الطرفين، ورضي المالكُ به، وكان بثمنٍ الوقت، لم يجُزْ للمالك أن يطالبَ بشيء بعد ذلك، أما إذا كان العوضُ المدفوع أقل من ثمن الوقت، لم يرضَ به المالك، أو لم تدفع له الدولة شيئًا على الإطلاق، ففعلُ الدولةِ حينها تعَدٍّ وغصبٌ، لا يثبتُ به حقّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْق ظَالِم حَقٌّ) [أبوداود:3075]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ) [مسلم:1610]، وللمالك الحق في المطالبة بثمن الأرض، سواء كانت فضاء أو كان عليها بناء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ) ولم يقل من بناء، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 11545].
عليه؛ فلا يجوز للحكومة ولا للقائمين على فتح المسارات، أخذُ شيءٍ من الأراضي الواقعة في مسار الطريق، إلا بعد تعويض مُلاكها، سواء كان عليها بناء أم لا، ويجب أن يكون التعويض بسعر الوقت، والعقوبةُ المتوعد بها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ)، واقعةٌ على الآمرِ من المسؤولينَ بتنفيذ هذه المشاريع، وعلى المباشرين المسؤولين على فتحِ المسارات، فالآمرُ والمباشرُ شريكان، ولا يستطيع المباشرُ أن يقول أنا عبد مأمور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المـَعْرُوفِ) [مسلم:1840]، فيجب على القائمين على فتح المسارات الكفُّ، حتى يتحققوا من أنَّ أصحاب الأملاك قبضوا تعويضاتهم بسعر الوقتِ، دونَ بخس، ومِن حقّ المالك الذي لم يعوض، المطالبةُ بحقه في التعويض، وسلوكُ السبلِ القانونية للحصول عليه، ولا يجوزُ إكراهه ولا توعدُه بعقوبة؛ لأن ذلك زيادةُ ظلمٍ على ظُلم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07//ذو الحجة//1444هـ
25//06//2023م