مصالحة ليبية ليبية
بسم الله الرحمن الرحيم
مصالحة ليبية ليبية
الذين يخافون على ليبيا من العقوبات الدولية، خوفُهم الحقيقي على ليبيا يجب أن يكون من الانقسام وشق الصف!
عقوباتُ المجتمع الدولي لا تَحُل بليبيا إلا من خلال الانقسام والتطلعِ إلى المصالح الخاصة على حساب مصلحة الوطن.
المجتمع الدولي عندما يقول إنه يطلب من أهل ليبيا التصالحَ وحقنَ الدماء، وأن يؤسسوا دولة تضبط النظام – وهو مطلب عادل يتوق إليه الجميع – فإنه عندما تلتقي دوائره بالليبيين أفراد وجماعات، يرى ويسمع منهم العجب العجاب!
لا يرى إلا انقساما، وتطلعات وتلهفا على المناصب والمال، إلا مِن قلة قليلة عصمها الله تعالى، تتأذى مما كانت تسمع، وأحيانا تأبى حتى أن تعود، بعض من حضر عاد حزينا كئيبا، مُحْبطا مهموما من هول ما رأى من التفريط في وطنه!
نحن أحق بالمصالحة في ليبيا من المجتمع الدولي، فلم لا نُشَمِّر ونكونُ المبادرين؟ لم لا نصنع التصالح بأيدينا ونقدمُه توافقا ملموسا يحقق أمن الوطن، يراه المجتمع الدولي ويُبصره ليطمئن على أمنه، إن كان حقا يخشى من ليبيا على أمنه؟!
التصالح يقطع عليه افتعال ذرائع السيطرة على الإرهاب التي تُدَمَّر بها البلاد العربية الواحدة بعد الأخرى.
التطور المنطقي للأحداث يتطلب أمرين:
الأول – التخلص من السلبية والارتخاء.
الارتخاء الذي أطمع “تنتوش” وكتائبَ القذافي أن يعودوا للمشهد، ويُعلنوا عن أحلام كنا نظنها ماتت، فالله تبارك وتعالى يقول: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ“.
الثاني – كل الحريصين على البلد؛ تجمع الساحات والوجهاء والأعيان والأعضاء المنتخبون في كل المجالس والوطنيون في كل مناطق ليبيا من أقصاها إلى أقصاها – جميعا مدعوون من طبرق وبنغازي إلى الجميل ورأس اجدير، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الوسط والجنوب – مطلوب من الجميع السعيُ الحثيث وبصفة عاجلة إلى إيجاد حوار ليبي ليبي، توضع له خطة طريق واضحة، ومواعيد محددة، تُمَثل فيه كل المناطق الليبية؛ المخالفُ منها والموافق، ينطلقون من مبادئ حاكمة، تحافظ على ثوابت الدين والوطن، وأهداف الثورة المباركة.
كل المناطق حتى التي تتقاتل، العقلاءُ منهم والخيرون وأهل الدين والإنصاف مدعوون أن يشاركوا بقوة.
هؤلاء بالذات عليهم مسؤولية دينية ووطنية عظيمة في مناطقهم، أعظم من مسؤولية غيرهم، لأنهم المعنيون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ” ولأنهم القادرون على مصالحة لا تناصر الظالم، ولا تؤوي مُحْدِثا ملعونا بلعنة الله، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ما يتمناه كل العقلاء، وطالبت به دار الإفتاء منذ أمد بعيد، وقد أصدرت منذ عامين وثيقة بعنوان: “وثيقة شرف لحفظ الوطن” http://bit.ly/ifta_wathiqa دعت فيها كل شرائح الشعب الليبي إلى الانضمام إليها والعمل بما فيها، وما دعت إليه منذ عامين صار الآن أكثر إلحاحا، فالوقت لا يتحمل مزيدا من الانتظار!
ومع السعي الحثيث في المصالحة الليبية الشاملة التي تؤسس لحكومة قادرة على فرض سلطانها وتضع حدا للخارجين على النظام، فإنه في الوقت نفسه نهيب بأعضاء المؤتمر الوطني العام الكرام أن يحْذُوا هذا الحذو داخل المؤتمر، ندعوهم إلى مصالحة بينهم، يتقربون بها إلى الله تعالى، يجتمع بها الشمل وتُكسبهم الأجر العظيم، كما قال تعالى: “وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً”، مصالحة في المؤتمر تتآلف بها القلوب على ثوابت الدين والوطن، التي لا نشك أن الأغلبية الكبيرة منهم لا يقبلون التفريط فيها بحال، وإن اختلفت الاجتهادات، لكن الاجتهادات المؤدية إلى الانقسام يجب أن يُتَخَلَّى عنها الآن، حفاظا على المقصد الأعظم من مقاصد الدين؛ وحدة الصف، فإنهم إذا توافقوا على الثوابت وانصلح أمرهم، انصلح أمر الأمة، وكانوا أقدر على القيام بدورهم الرقابي، لتقويم قصور المقصرين في الحكومة، فتتحسن أحوال المواطن، المغلوب على أمره والمتضرر الأكبر من الانقسام، فالخدمات الأساسية التي ينتظرها المواطن من ولاة الأمر تكاد تكون معدومة، والسبب الخلاف والانقسام.
المصالحة الليبية الليبية هي السبيل لإنقاذ البلد، إذا أراد أهلُه أن يعيشوا على أرضِهِم سادةً أعزّاءَ، لا عبيدًا أذلّاءَ، يمنعون عنه أطماعَ مَن يفتعلُونَ الذرائعَ؛ لتدميرِه، واستلابِ خيراتِه، كما يفعل حفتر اليوم، يُدمرُ المدنَ باسم مكافحةِ الإرهابِ، وهو الذي يصنعُهُ!!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
10 محرم 1437 هـ
الموافق 23 أكتوبر 2015 م